يجمع المتابعون للحملة الانتخابية لعمادة الهيئة الوطنية للمحامين على أن أجواء حذرة غير مسبوقة ترافق كل التحركات والتصريحات المعلنة منها والسرية للمترشحين التسعة وبخاصة منهم أصحاب الحظوظ الوافرة والمتسعة. ويعيد مهتمون ب»ملف المحامين» الحذر المسجل وغياب التجريحات العلنية و»التشنجات» وانعدام «السباقات المحمومة والساخنة وحصول شبه هدوء عكس ما سجل في الموعد الانتخابي السابق إلى الصعوبات الحقيقية المتواجدة أمام جلّ الأطراف السياسية والأطياف الحزبية لرسم ملامح واضحة لتحالفات انتخابية تنسجم في تصعيد أحد المرشحين إلى منصب العمادة. الأجواء الانتخابية الخاصة بالمحامين وإن بدت ظاهريا على نحو من «الهدوء» فهي تتواجد على أرضية متحركة تحتها العديد من المفاجآت. ويؤكد مطلعون على واقع المحاماة ان عددا من المترشحين لمنصب «العميد» قد يكونون خسروا نوعا من بريقهم وفقدوا جزءا من آمالهم بعد أن استبق «مناصروهم» الأحداث وكشفوا عن «ملامح خفية عن مساندات محتملة» من أطراف سياسية معينة لهم. «إحباط» وتشتت وفي الحقيقة فإن من النقاط المفاتيح التي يمكن أن تكون في ظرفية المحاماة الدقيقة سلبية وتساهم في الحدّ من حظوظ عدد من المترشحين هو «تأهيلهم» للسباق الانتخابي على أنهم مرشحون لتيارات سياسية وحزبية بعينها (يسارية / تجمعية / قومية/ التيار غير الوضعي) أو أنهم افراز لتحالفات أنجزت في منتهى الاحكام وفي غاية الاتقان ذلك ان ملامح التكتلات الانتخابية أن الحسابات الضيقة، أو الانتماءات السياسية والتي عرفت بها «المحاماة» على مرّ تاريخها لن تكون في موعد نهاية هذا الأسبوع على نفس القدر من الوضوح على خلفية ما تحياه أغلبية المحامين من حالة احباط وربما قنوط من المآل الذي آلت إليه «المهنة» وهياكلها من خواء وفراغ و»تشتت» و»ضبابية» غير مجدية نتيجة التمشي التصادمي الذي انتهجه العميد المتخلي والذي حوّل «الهيئة الوطنية للمحامين» وتحديدا «العمادة» إلى أشبه ما يكون بحزب سياسي نأت مهامه عن المصالح الحقيقية لعموم المحامين إلى الحضور على المشهد السياسي الوطني إلى جانب عدد من تيارات المعارضة الراديكالية رفضا لخيارات السلطة القائمة وهو الوضع الذي سيجعل من فاعلية «كتلة المحامين الصامتين» على قدر من الأهمية من حيث التأثير في توازنات الانتخابية الحالية وتدعيم حظوظ عدد من المترشحين دون غيرهم فما يعني عموم المحامين حاليا واتعاظا بالتجارب السابقة هو إيجاد «عميد» قادر على حل مشاكلهم وانهاء حالة «الريبة» التي يعيشها القطاع مع ما يقتضيه ذلك من ضرورة توفر عدد من الشروط ترددت منذ فترة على ألسنة العديدين بمن فيهم عدد من التيارات السياسية والمرشحين أنفسهم من ذلك ضرورة أن يكون «العميد الجديد» في استقلالية تامة عن كل الأحزاب والتنظيمات وأن يكون على قدر كبير من التكوين العلمي والقانوني وأن يمتلك قوة الشخصية حتى يكون قادرا على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ومتمكنا من آليات وطرق طرح ملفات المحامين والتفاوض حولها مع سلطة الاشراف مما يجعل للعميد أهلية وسلطة فعلية لوضع حدّ لحالة التسيّب التي اتفق الكل على أنها أصبحت الميزة القاطعة للوضع في القطاع. ترجيحات وصعوبات ويرجح عدد غير قليل من المهتمين ب»قطاع المحاماة» حدوث «المفاجأة» في انتخابات العمادة على خلفية صعوبة رسم التحالفات بشكل واضح، فحتى «التحالف القوي» الذي تشكل في الانتخابات الأخيرة للجمعية التونسية للمحامين الشبان بين المحامين التجمعيين والتيار اليساري الراديكالي والذي قطع الطريق على عدد غير قليل من المترشحين لمكتب الجمعية قد تحوّطته العديد من المعوقات منها ما هو ناتج عن الاختلاف في توزيع المهام والذي أفضى إلى انسحاب كل من الأستاذة نزيهة بن جمعة ورمزي الجبابلي منذ أول لقاء «المكتب المنتخب» وهو الانسحاب الذي حمل صورة عن عدم قدرة بعض الأطراف على تحمّل تبعات التحالفات التي قد تنسج البعض من خيوطها وهو ما جعلها تتبرأ في أول محطة من تحالفها الأخير مع المحامين التجمعيين ونسبته إلى أطراف خارجة عن الجمعية. معوّقات ومن المعوقات كذلك التي تنبئ ربما باستحالة نجاح التحالف المشار إليه مرة أخرى بالرغم من الخطوات التي قطعت من أجل تقديم مرشح على شاكلة الوفاق التجمعي اليساري الراديكالي أخذ بعد الكثير من الأضواء و»الترشيح» استنادا إلى وضعه الراهن في هياكل المحامين، وجود مرشحين معروفين بانتمائهم أو قربهم من التجمع الدستوري الديمقراطي وهو ما يضع المحامين التجمعيين في خيارين لا خيارا واحدا، إما مساندة أشخاص تربطهم بهم علاقات سياسية أو شخصية وحتى فكرية قديمة أو «التحالف» مع أصدقاء جدد يختلفون معه ايديولوجيا لكنهم يلتقون معهم «ظرفيا» لأسباب انتخابية في علاقة بالرغبة المشتركة في إزاحة «العميد الحالي» وإحلال بديل عنه. المفاجأة ويؤكد عارفون بشأن المحاماة التونسية على أن حصول تحالف مماثل لما حدث في انتخابات الجمعية مؤخرا سيفضي من باب «المفاجأة غير المرغوب فيها» في تقوية حظوظ العميد البشير الصيد لأن تحالفا من ذلك النوع بين اليسار الراديكالي والتجمعيين سيدفع بسائر الأطراف التي انفضت من حول العميد الصيد في أوقات سابقة متفاوتة إلى لملمة صفوفها وإعادة تشكيل نفسها والتفافها مجددا حول «عميدها» المترشح لدورة جديدة وتشير كل الدلائل إلى أن تجاهل التجمعيين لأزيد من خمسة مترشحين أقرب إليهم فكرا أو تاريخا وعقدهم تحالفا مع اليسار الراديكالي حول شخص الرئيس الحالي لفرع تونس للمحامين السيد عبد الستار بن موسى سيدفع بالقوميين واليساريين المستقلين ومجموعة التيار غير الوضعي إلى تجاوز خلافاتهم الظاهرة للعيان وبناء تحالف جديد قد يفضي إلى صعود الصيد مرة أخرى إلى العمادة! خاصة وانه المرشح الأكثر حظوظا للفوز بالنصيب الانتخابي للأستاذ جمال بيدة الذي خيّر الانسحاب لظروف طارئة من السباق الانتخابي. كل هذه الفرضيات و»القراءات المستترة» تزداد ملامسة لاحتمالات التواجد والكينونة إذا ما أضفنا إلى مضامينها الاشكاليات الحسابية العالقة بانتخابات رئاسة فرع تونس للمحامين والتي برز في قائمة المترشحين لها مرشحان بارزان ينتميان إلى كفتي التحالف التجمعي اليساري الراديكالي المشار إليه آنفا مما قد يعطي الانطباع بصعوبة أن يعاد تشكيل نفس «السيناريو» الذي رسم في انتخابات الجمعية لحساب انتخابات الهيئة الوطنية وتحديدا لمنصب العمادة ومما يؤكد ذلك «التكتم» و»الحذر الشديد» الذي ما تزال كل الأطراف تتحرّك في حدوده وامتناع التجمعيين أنفسهم عن اعلان مناصرتهم وإرجاء الافصاح عن «مرشحهم» ربما حتى لساعات قليلة قبل بدء التصويت. وبين مجموع «التحالفات الممكنة» والخيارات القصوى التي تتداول على رفضها «التيارات السياسية» كيف سيكون موقف «كتلة المحامين الصامتين»؟ وهل سيتوفقون إلى فرض خيار انتخابي حقيقي يصعب امكانية التجديد للعميد الحالي ويصعد خيارا «براغماتيا» قادرا على خدمة قطاع المحاماة بكل واقعية بعيدا عن السياسوية والتأثيرات الحزبية؟