بمناسبة اليوم الوطني للثقافة واختتام الموسم الثقافي 20032004 نظّمت جامعة قابس ظهر السبت 12 جوان امسية ثقافية تكريمية للدكتور نصر بالحاج بالطيب بمناسبة صدور مجموعته القصصية الجديدة «زعفران». هذه الامسية احتضنها المركز الثقافي والرياضي بقابس هذا المولود الجديد الذي يساهم في تنشيط الحياة الثقافية بامتياز في قابس والجنوب الشرقي وقد كانت هذه الامسية التي كانت تحت شعار «القراءة» مناسبة للاعلان عن انطلاق الحملة الوطنية لجمع الكتب المدرسية والجامعية المستعملة وتوزيعها على ابناء محدودي الدخل. وجاء في كلمة الافتتاح لرئىس جامعة قابس الدكتور مبروك المنتصر ان هناك اسبابا عديدة دفعت الجامعة الى تنظيم هذه الامسية اهمها ان الدكتور نصر بالحاج بالطيب جمع بين الادب والعلم وتحديدا الطب اذ عمل استاذا مساعدا بكلية الطب بتونس وأطّر عددا من الجراحين المتربصين. في المستشفى الجامعي بالمهدية قبل ان يلتحق بالقطاع الخاص وبالتالي فهو نموذجا للمجمع بين الطب والجراحة تحديدا كمهنة انسانية نبيلة هدفها المحافظة على الحياة ومقاومة الألم في الجسد والكتابة باعتبارها دواء للروح وشكر المحتضن به على موافقته على استعمال اسمه في هذه الحملة الجهوية لجمع الكتب التي تنظمها جامعة قابس. مداخلات استمع الجمهور الذي غصّت به قاعة المركز الثقافي الجامعي بقابس الى ثلاث مداخلات للدكتور عبد الله الزرلي من كلية الآداب بصفاقس والدكتور محمد الاحول من المعهد العالي للعلوم الانسانية بتونس والاستاذ محمد السويسي استاذ الأدب العربي في المعاهد الثانوية منذ اكثر من ربع قرن. تناول المحاضرون جوانب مختلفة من رواية «الايام الحافية» والمجموعة القصصية: «زعفران». فالدكتور عبد الله الزرلي قال في مداخلته انه تنبأ منذ أواخر الستينات بمستقبل ادبي لنصر بالحاج بالطيب عندما كان تلميذا في المعهد الثانوي بقابس اذ كتب آنذاك مجموعة من القصص القصيرة منها «قريتي... منفاي» لكن توجهه العلمي قد يكون اجّل مشروعه الادبي شيئا ما، واعتبر الدكتور الزرلي ان قصص مجموعة: زعفران تشريج للتحوّلات الاجتماعية الطارئة على مدينة دوز ومحيطه الاجتماعي بشكل عام. اما الدكتور محمد الأحول فأكد على منظومة القيم في رواية «الايام الحافية» و»زعفران» اذ ان الكاتب يدافع عن قيم منقرضة في زمن العولمة والنظام العالمي الجديد فقيم الوفاء والكرم والصدق والحياء هي اهمّ ما يحضر في العملين السرديين لبلحاج وهذا هو دور الكاتب في الدفاع عن الحياة ضد كل اشكال الموت المادي والرمزي، وهي نقطة الالتقاء والتواصل بين الكتابة والجراحة... ف «زعفران» وهو اسم قرية من قرى مدينة دوز تجسّد عمق التحوّلات الاجتماعية التي هزّت مدينة دوز وغيّرت وجهها لكن الكاتب يحييها.. يحيي ذاكرته في الكتابة. واعتبر الاستاذ محمد السويسي ان «الايام الحافية» و»زعفران» مرثية لجيل ولد وعيه الفني والسياسي مع هزيمة 67 او حلم احلاما كبيرة قبل ان يستيقظ على الرياح العاصفة لحرب الخليج الثانية وتداعياتها وأوسلو وسقوط بغداد وليكتشف عمق الخيبة التي تسكن الروح. الكتابة والجراحة في كلمته قال الدكتور نصر بالحاج بالطيب انه جرّاح يمارس هواية الكتابة ويحاول معالجة جراح الروح بعد ان فشلت الجراحة في اكثر من مرة في انقاذ من نحب... فالكتابة هي احياء لكل من لم تقدر الجراحة على ان تهبهم الحياة وذكر ان روحه موزّعة بين مكانين دوزوقابس ففيهما تفتّح وعيه وهام بالأدب وحلم بالجراحة محافظة على إرث العائلة التي تربّت فيها اذناه ومهجته على ايقاع آيات القرآن الكريم وأصوات منشدي البردة والنجوم التي تملأ الليل أنسا في وحشة الصحراء. وختم بالحاج كلامه بتأكيده على ان الكتابة والرسم هما هواية لمعالجة آلام وجراح الروح. الرسم والموسيقى في بهو المركز الثقافي الجامعي بقابس عرض الدكتور نصر بالحاج مجموعة من لوحاته الزيتية التي تحضر فيها الأم والصحراء والواحات والأفق الممتد للاّنهاية كما يحضر فيها الشعر: السياب ومظفّر النواب ومحمد الطويل... في هذه اللوحات كما في الكتابة يسترجع القاص والروائي طفولته النائمة في يقين رمال دوز ساعات الفجر الاولى عندما يكون للحياة طعم البدء. وختم اللقاء بوصلات موسيقية لمجموعة التخت للموسيقى العربية بقابس بقيادة المنجي الصويعي. أطباء ولكن.. هذه الامسية الاحتفالية ساهم فيها فرع الجنوب الشرقي لاتحاد الكتّاب والقى رئيس الفرع الناقد المسرحي منذر بالريش كلمة اكد فيها على بروز عدد من الاطباء في الكتابة وهو ما يشكّل رافدا حقيقيا للأدب اذ ان القادمين الى الأدب من خارج المسالك التقليدية : طب، هندسة، قضاء... اضافوا كثيرا للأدب. ويذكر ان الادب الانساني والعربي والتونسي عرف عددا من الادباء الاطباء مثل تشيكوف لان غسبار، زكي ابوشادي، ابراهيم ناجي، يوسف ادريس، خليل النعيمي، محمود بلعيد، فاروق الشعبوني، المولدي فروج... وهذا ما يؤكد كما قال منصف المزغني مدير «بيت الشعر» الذي كان ضيف هذه الامسية ان الاطباء على عكس ما يتصوّره الناس لهم حس فني عال.