«وليمة خاصة جدا» وليمة سردية للمثقف العربي تكشف لنا من خلالها مسعودة بوبكر عن هواجس وارهاصات وهموم الانسان العربي عن حكاياته اليومية ومواقفه الانسانية بعطر خاص جدا. القاصة والروائية مسعود بوبكر تكتب لمقارعة الاسئلة المتمرّدة داخلها، تكتب لتثأر للعواطف المتجمّدة ولتعتذر للاحلام البدائية الوردية وهي بحاجة دائمة الى مواعيد البوح والمواجهة رغبة منها في تغيير الهواء المتراكم المتعفن في شريان الحياة اليومية. مسعودة بوبكر امرأة فكر وثقافة موزعة بين القصة والرواية اذ صدرت لها طعم الاناناس مجموعة قصصية سنة 1994 وثلاث روايات، طيلة الغياب سنة 1997 طرشقانه سنة 1999 وداعا حمورابي سنة 2003 وهي الرواية المتحصّلة على جائزة الكومار الذهبي مناصفة سنة 2003 لديها ايمان راسخ بأن سعادتها في شقائها بالكلمة بمرارة السؤال وعسر الاثارة في احتفال دائم بالأمل والحب. على هامش الاحتفاء بمجموعتها القصصية الجديدة التقتها «الشروق» في هذا الحوار: * لنبدأ من حيث تنتهي الآن «وليمة خاصة جدا» لمسعودة بوبكر؟ انه مجموعة قصصية ضمت نصوصا كتبت على مدى خمس عشرة سنة تبرز مراحل التجربة في ممارسة هذا اللون الادبي وهو اجابة ملموسة عن سؤال كثيرا ما يطرح عليّ «هل تخليت عن كتابة القصة لصالح الرواية» فالقصة القصيرة مازالت تشدني والدليل اني ا رتب مجموعة قصصية ثالثة لدفعها الى المطبعة شغلتني عن حسم امرها روايتي الجديدة التي انا بصدد كتابتها. * ما بين القصة والرواية كيف تتعاملين مع ثنائية البناء واللغة؟ تتفق الرواية والقصة في انهما ينحدران من اصل واحد في اعتقادي، هو الحكاية النبع الاول للموروث السردي الذي شهد مع تطور الذائقة الفنية الجمالية والفكر تغيرا في البناء والتقنيات وتشكلت من ذلك الفوارق الفنية بين جنس القصة القصيرة والرواية. ومن يمارسهما كتابة يلامس بحكم التجربة هذا الخيط الرفيع الفاصل في بناء النص ففي حين تجد الرواية تنبني غالبا على تداخل الاحداث واستيعاب ضروب مختلفة من الادب تتحاور فيها الازمنة والامكنة نجد ان القصة القصيرة تختلف في الحجم وتقنيات البناء الذي قوامه التكثيف والتزامها بالحدث الواحد اذ تختفي في القصة القصيرة بتفصيل واحد من فيفساء التجربة الانسانية. * في الابداع يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وغالبا ما يكمن الابداع في العصامية فالى اي حد توافقين هذا الرأي؟ من الاساس اقول ان الذي لا يعلم لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يرقى الى وصف الذي يعلم الا اذا سعى للمعرفة ايا كانت الطريقة عصامية او نظامية تعليمية ان صح التعبير ثم ما معنى «عصامية» انها لا تعني الجاهل بالشيء بل الساعي الى اكتساب المعرفة معتصما بعزيمته وتواصل جهوده. وفي نظري اذا توفرت الموهبة لمن لا علم له فلا يمكن ابدا ان يكون على قدم المساواة مع من توفرت له الموهبة والعلم. صحيح ان تاريخ الادب حافل بالعصاميين انطلاقا من اولائك الشعراء الذي يحلقون في سماء الشعر بالسليقة وخلّدوا الدرر لكن الحال الان اصبح غير الحال والافاق غير الافاق فحبذا لو تجتمع للمبدع الموهبة وجنون الابداع والعلم بالشيء. * المرأة في كتابات مسعودة بوبكر مثقلة بتاريخ اوجاعها، تحكي القمع، تعاني تدهور القيم ولكنها في الآن ذاته تختزل مواقف الثورة والتحدي وتناضل بفكرها في بحث عن الحرية والفاعلية؟ انطلاقا من تجربتي احتفي بالمرأة القوية، المرأة التي تربك وتتحرّك واقصي المرأة العاجزة الجاهلة واعني بالجهل هنا جهل اسباب نهوضها وخنوعها اسباب تطوّرها المعنوي. أقصي المرأة التي لا تناضل من اجل القيم النبيلة في الحياة اهمها قيمتها كأم... المرأة التي لا تدرك ابعاد قيمتها الجوهرية قيمتها الانسانية اقصيها لا بعدم تناولها في نصوصي بل بذكرها والتعرض اليها والتركيز على خصائصها. * على غرار تجربتك تحتفي المرأة الكاتبة بالمرأة، فماذاعن الرجل كيف يكتب الرجل المرأة من منظورك؟ رؤية الرجل المبدع للمرأة تختلف من ذائقة لذائقة ومن عقلية لعقلية اخرى ورغم كل ما كتبه تظل تناولاته على ضفاف جوهرها ومكونات روحها، لم يصل الى البواطن والعمق ولا الى كشف سر المرأة المستعصى، لقد قدّم من اللوحة قطعا من البوزل ولم يقدم كل القطع. وصورة المرأة الطاغية التي اطلعنا عليها في كتابات الكثير من الادباء الساردين خاصة ظلت في اطار تقليدي تتأرجح بين صورة المرأة الأم والمرأة الحبيبة. المرأة العفيفة والمرأة المدنسة وهي الصورة المقترنة بالجسد عامة. وتظل صورة المرأة عبر قلم الرجل الكاتب العربي رهينة عقليته ورواسبه التاريخية والاجتماعية والدينية وغالبا ما يعلق على شماعة هذه المرأة كل افرازات الجانب المعتل من النواميس والعقد النفسية على انها صورة متطورة لما يفرضه الواقع من متغيرات.