تابع أبناء القيروان بشغف حلقات مسلسل «عاشق السراب» الذي بثته قناة 21 خلال النصف الاول من شهر رمضان شأنهم شأن عدد كبير من المشاهدين لكن متابعة أبناء القيروان لهذا العمل الدرامي تختلف عن غيرهم لا لشيء سوى أن هذا العمل التونسي مائة بالمائة الذي ألفه علي التواتي وأخرجه للناس الحبيب المسلماني قد صوّرت مشاهد كثيرة منه بالقيروان عاصمة الثقافة الاسلامية. الآراء بخصوص جودة العمل تباينت حول الجوانب الفنية اتفقت بخصوص ما قدمه المسلسل من مؤاخذات عن الصورة المهينة والمقزمة للقيروان التي يحتفى بها عالميا وبين استغلال سمة عاصمة الاغالبة لتمرير وتغطية فشله. على امتداد 17 حلقة تشوّقت الانفس لمشاهدة ما تم تصويره في القيروان طيلة خمسة أسابيع في أماكن متفرقة من المدينة العتيقة وغيرها. وانتظر أبناء هذه المدينة أن يروا مدينتهم التي لبست حلة قشيبة بمناسبة إعلانها عاصمة إسلامية من رئيس الدولة وأن تبرز ما وطأها من إنجازات وتطور في المشهد العمراني والبنية الاساسية وعادات أهلها الجميلة وكرمهم ودفء المدينة الاجتماعي والتضامني... لكن كل ذلك حلت محله الصفات السيئة والصورة السلبية والنمطية عن مظاهر اجتماعية تكاد تكون نادرة ومعزولة حولها المسلسل الى ظاهرة زادها سوءا ضعف الاداء ووهن النص وتشتت متون الاحداث. جدل على الفيسبوك المسلسل نتج عنه بروز عديد الاحتجاجات بالقيروان والنقاشات بين عامة الناس وخاصتهم بسبب تلك الصورة المقدمة التي شاهدها الناس عبر الفضائية 21. ومن مظاهر الاحتجاج إنشاء عديد المواقع الالكترونية وغرف دردشة ومجموعات على صفحات الفيسبوك بلغ عدد أعضاءها ألف و400 شخص عبروا عن استيائهم كل بطريقته من «عاشق السراب» يجمع بينها التنديد والنقد اللاذع. البعض توجه باللوم الى الكاتب علي اللواتي متسائلين عن سبب تعمده اختيار الاماكن المظلمة والزوايا الخربة والظواهر الاجتماعية المشينة ليسقطها علىالقيروان إسقاطا «فنيا». ويستغرب هؤلاء كيف لهذا الكاتب الذي هو نفسه من ألف نص احتفالية القيروان الخالدة أن يقع في خطأ تمرير تلك الصورة وهو الذي أقام بالمدينة بضعة أيام وعايش أهلها وشهد إنجازات المدينة. ركوب على السمعة والاحداث السيد صلاح الصفاقسي (مربي وموسيقي) اعتبر أن وجود اسم القيروان بالمسلسل كان بمثابة إسقاط وركوب علىالاحداث. وزعم أن الكاتب استغل سمعة القيروان واسمها التاريخي كما استفاد من الدعم المقدم الذي ما كان ليحصل عليه لولا ذكر اسم القيروان. وذلك قصد تمرير عمله الذي كان يتهدده الفشل لولا تعلقه بقشة صورة القيروان المهيبة التي ظلمها لم يحسن تقديمها وهي التي تعيش في وقع الاحتفال بالقيروان عاصمة للثقافة الاسلامية تحت اشراف وزارة الثقافة وشهدت عديد الانجازات الرئاسية الكبرى. نصف ضعيف وعلاوة عن تلك الصورة السيئة على مستوى جمالية المدينة وسمعتها التي قدمها يرى بعض القيروانيين ومنهم الاستاذ الجامعي المنذر الشفرة ان المسلسل فقير من الناحيتين الفنية والدرامية. وأكد ان الكتابة الدرامية ل«عاشق السراب» لم تكن في المستوى المأمول من مؤلف مميز كان قد أتحفنا برائعة «الخطّاب على الباب» و«منامة عروسية» وذلك بسبب الخلط في المراجع الجمالية وفقدان ذلك الخيط السحري القادر على ضمان شيء من التناسق. فالتفكك بين على مستوى الزمان والمكان: الشمال والوسط والجنوب وليس من الشرعي ان يرد المؤلف بأنه عمل قصدي لأن الاداء التمثيلي الهش قد زاد المتفرج وعيا بالتذبذب الصادر عن سرعة في الكتابة. كما أكد البعض من أبناء المدينة العتيقة وجود ألفاظ وعبارات دخيلة غير مستعملة في المدينة ولا تمت الى لهجة «القراوة» بصلة من قبيل «هوني» و«مشيت» بتسكين الياء وعد أحدهم 500 عبارة بلهجة ولكنة غير قيروانية، فكيف يحدث ذلك أين البحث؟ مقتضيات درامية من جهة أخرى برر البعض ومعظمهم من المشاركين في المسلسل بأن العمل ليس شريطا وثائقيا كي يقدم الصور الجميلة عن القيروان مبينا ان هناك مقتضيات للعمل الدرامي تتجاوز الواقع. وعلى رأس هؤلاء المثل القيرواني القدير حمادي الوهايبي الذي أكد انه يتلقى يوميا مئات الارساليات المنددة بمشاركته في المسلسل ويرد عليها جميعها برحابة صدره المعهود. في حين عبر بعض الممثلين الهواة الذين حصلوا على دور بالكاد يبرز وجهه عن الاحتفاظ برأيه الشخصي وعدم رغبته في نقد الكاتب او المخرج خشية طرده وشطبه من قائمته في اعمال قادمة. وينتظر ان يتم اعداد برامج تلفزية تناقش الاعمال الدرامية التونسية التي أسالت الكثير من الحبر هذا العام وان يتم تشريك بعض المشاهدين من المختصين وعامة الناس. ولا شك ان العمل الابداعي يحتمل النقد والانتقاد لأنه اجتهاد انساني يتحمل الخطأ والصواب. فهل سيفرح ابناء القيروان برد مقنع من ادارة عاشق السراب، لتبرير ما تقدم ورد الاعتبار للتاريخ والحضارة والانجاز ام ان خيوط السراب تبددت.