يبدو أن فريق مسلسل "عاشق السراب" قد أخطأ عندما شدّد في الحوارات التي سبقت إنجاز هذا العمل وعرضه على أن أحداثه تدور في القيروان, فالمكان له قيمة ثانوية جدا أمام معطيات أخرى كان يجدر أن تسوّق المسلسل وتمهّد لظهوره على الشاشة. لقد جعل التركيز المبالغ فيه على المكان كثيرا من المتفرجين ينتظرون مسلسلا عن "القيروان عاصمة الثقافة الإسلامية!!!" أو على الأقل مسلسلا يصف منجزات الدولة في التنمية الجهوية ويمتدح جهد البلدية في التنوير العمومي ورفع القمامة من محيط المعالم الإسلامية المصنفة عالميا، أو يبرز للعيان عمل السلط المحلية في دفع حركة التشغيل، مسلسلا يخضع لمواصفات صورة القيروان النمطية كما تُقدمها ريبورتاجات التلفزة التونسية في نطاق الدعاية السياسية. وهكذا لم تغادر حليمةُ عادتَها القديمةَ وظلّ الحابلُ مختلطا بالنابل في أذهان الناس، فمقياس نجاح الأعمال الدرامية في تونس هو دائما ذلك السّؤال المغشوش: "هل وجد التونسي نفسه فيها كما يحب ويشتهي أم لا؟"، ورغم تطور التجربة الدرامية المحلية والكمّ الهائل من الأعمال المصرية والسورية والخليجية المعروضة، لم ترتق الثقافة البصرية درجة أعلى من محاولة البحث عن الذات في المرآة على طريقة الأميرة المتغطرسة في مرايا الحكايات العجيبة عندما تسأل عمّن يفوقها جمالا وبهاء، ولا ينكسر إحساسها العارم بالتوحّد والتفرّد إلا متى تُخبرها المرآة بأنها لم تعد الأجمل ولم تعد الأبهى. قد يكون عاشق السراب أقلّ شأنا وحظا من أعمال أخرى كتبها علي اللواتي وأخرجها الحبيب المسلماني، وقد يكون للأعمال الدرامية الموازية التي تُعرض مع هذا المسلسل والتي ينجزها جيل جديد من الكتاب والمخرجين أثرٌ في تطوير ذائقة المتفرجين وانتزاعها بسهولة بين عشية وضحاها من براثن الدراما الكلاسيكية في التلفزة العمومية، ولكن هذا لا يشرّع أبدا مطالبةَ الرواية أن تكون بوقا لتجميل الواقع وتنصيع صورة المجتمع وتخليصه من ذنوبه كما تفعل بعض المواد التلفزيونية الأخرى دائما وأبدا. ورغم المآخذ التي يمكن أن نُناقش المؤلف والمخرج فيها طويلا، فإننا نُدافع مبدئيا عن حقهما في التحرّر من قيود الضرورة وتجريد الصورة الدرامية من الإسقاطات والشروط التي تهدف إلى الترضية واحتواء الامتعاض. فموقفُ الجمهور قد يُنتج لاحقا كتابةً تلفزيونية مشروطةً بما يجعل الدراما تتراجع تحت وطأة الخوف وبتعلة "الحريف الملك" في تلفزة عمومية يعتقد الناس أنهم يصرفون عليها ويجب ألاّ تخذلهم كثيرا.