قد أذن شهر رمضان المبارك بالرحيل عنا وفراقنا بعد أن عشنا آيامه الزكية ولياليه السنية وكم يعز فراق الحبيب بعد أن التقينا به فأحبّنا وأحببناه. والمأمول من كرم ا& سبحانه وتعالى وفضله، أن يتقبل صوم الصائمين، وأن يجزل المثوبة لقيام القائمين، وأن يكرم الصائمين وعباده المؤمنين جميعا في ختام قيامهم بفريضة الصوم، أن يكرمهم جميعا بالمغفرة وبالعتق من النار، كما أخبر سيدنا رسول ا& ے ولكن ينبغي ان يتجاوب العبد المؤمن مع كرم ا& سبحانه وتعالى وصفحه، فإذا ودّعنا هذا الشهر، يجب ان نعلم أننا تصالحنا خلال هذا الشهر مع ا&، وجعلنا من هذا الشهر شاهدا على تصالحنا مع ربنا، وعلى استمرارنا على التوبة والرجوع الى خالقنا، وينبغي ان نعلم اننا اذا جعلنا من هذا الشهر شاهدا لتوبتنا ورجوعنا الى ا& سبحانه وتعالى، ينبغي ان نعاهد ا& عز وجل ان نجعل من بقية العمر الذي نملكه ولا نعلم قدره، ينبغي ان نجعل من بقية أعمارنا ساحة توبة وإلتزام وسير على أوامر ا& جل وعلا وصراطه، وما ينبغي ان تكون علاقتنا بشهر رمضان كعلاقة كثير من الناس إذ يمارسون أعمالا تقليدية في عباداتهم، وفي صيامهم، وفي قيامهم، يرحبون بمقدمه، ثم ينسونه عند غيابه، هذا الامر ينبغي ألا يكون، وينبغي ان نعلم ان ا& عز وجل طيب لا يقبل الا طيّبا. هكذا يجب ان يكون العبد، مستمرا على طاعة ا&، ثابتا على شرعه، مستقيما على دينه، لا يروغ مثل الثعلب، يعبد ا& في شهر دون شهر، أو في مكان دون آخر، أو مع قوم دون آخرين... لا ... وألف لا! بل يعلم ان رب رمضان هو رب بقية الشهور والأيام، وأنه رب الأزمنة والأماكن كلها... فيستقيم على شرع ا& حتىيلقى ربه وهو عنه راض، قال تعالى: {واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين} (الحجر 99). فلئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل: كالست من شوال، والاثنين والخميس، والأيام البيض، وعاشوراء، وعرفة وغيرها. ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون} (الذاريات 17). ولئن انتهت صدقة وزكاة الفطر فهناك الزكاة المفروضة، وهناك أبواب للصدقات والقربات. وقراءةالقرآن وتدبره ليست خاصة برمضان، بل هي في كل الأوقات. وهكذا... فالأعمال الصالحة يجب ان تستمر ويداوم عليها العبد في كل وقت وكل زمان. رمضان مدرسة عظيمة يستلهم منها المسلم قوة الارادة في اصلاح ما اعوجّ في نفسه فيقوم سلوكه ويجعل باطنه مثل ظاهره ويتمسك بالخير والفضائل، ويتحلى بمحاسن الاخلاق ومكارمها، حينئذ يخرج من صومه بصفحة مشرقة بيضاء ناصعة في حياته، مفعمة بفضائل الأعمال ومحاسن الافعال ومكارم الخصال. وبذلك يصبح الصوم للنفس حمى أميناوحصنا حصينا من الذنوب والآثام، فتصفو الروح، ويرقّ القلب ويصلح، وبذلك يتحقق مقصد الشرع من الصوم في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة 183).