ولّى رمضان كما ولّى غيره وأصبحنا هكذا بدون رمضان، ليس هناك صوم، وليس هناك قيام ليل، وليست هناك تراويح، ولكنّه ولّى ومرّ كما سيأتي رمضان آخر وسيولّي وهكذا خلق ا& الكون: الأفلاك تدور والسنين تمرّ والدنيا تتغيّر والإنسان يتغيّر والزمان يمرّ وا& تعالى لا يعتريه تغيّر ولا يتبدّل فهو باق وكلّ شيء هالك إلا وجهه الكريم: {كُلّ من عليها فان، ويبقى وجه ربّك ذُو الجلال والإكرام} (الرحمان: 2627). ودّعنا شهر رمضان ونحن نأمل أن يكون هذا الشهر شاهدا على تصالحنا مع ا& سبحانه وتعالى، وعلى استمرارنا على التوبة والرجوع الى خالقنا. وإذا كنّا قد ودعنا شهر رمضان بعد أن أقبلنا على ا& تعالى واستجبنا لنبينا محمد ے وأكثرنا من أعمال البرّ فإنه ينبغي أن لا نودّع صالح العمل بعد رمضان، بل يجب أن تبقى آثار الصيام شعارا متمثلا في حياتنا، وما أعطاه الصيام من دروس في الطاعة والانقياد لأوامر ا& والصبر والتضحية والوحدة والتضامن والألفة والمودة بين أفراد المجتمع، يجب أن يستمر ونراه مجسّدا في حياة كل واحد فينا بعد رمضان لأن من شكر المسلم & عزّ وجلّ على نعمه توفيقه للصيام والقيام، أن يستمر على طاعة ا& تعالى في حياته كلها، فالإله الذي يُصام له ويُعبد في رمضان، هو الإله في جميع الأزمان، ومن علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها. هكذا يجب أن يستمر المسلم على طاعة ا&، وأن يثبت على شرعه، وأن يستقيم على دينه، لا يراوغ روغان المنافق يعبد ا& في شهر دون شهر، أو في مكان دون آخر بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الأيام والشهور والأعوام. {واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين} (الحجر: 99) فرمضان مدرسة عظيمة يستلهم منها المسلم قوة الإرادة في إصلاح ما اعوجّ في نفسه فيقوّم سلوكه ويجعل باطنه مثل ظاهره ويتمسك بالخير والفضائل، ويتحلى بمحاسن الأخلاق ومكارمها، حينئذ يخرج من صومه بصفحة مشرقة بيضاء، ناصعة في حياته، مفعمة بفضائل الأعمال ومحاسن الأفعال ومكارم الخصال. وبذلك يصبح الصوم للنفس حمى أمينا وحصنا حصينا من الذنوب والآثام، فتصفو الروح، ويرقّ القلب ويصلح، وبذلك يتحقق مقصد الشرع من الصوم في قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصّيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّفون} (البقرة 183)