وحدها الكفاءة التي تصنع الاحترام والتقدير والتبجيل والشهرة حتى خارج أرض الوطن، لأن ما حققه الدكتور محمد غنام في فرنسا يعد إنجازا وطنيا هاما لتونس، كيف لا وهذا الرجل التونسي يعتبر من أحسن جراحي القلب في العالم، لما له من كفاءة أهلته ليكون قريبا من الرئيس الفرنسي سابقا «جاك شيراك». السيد محمد غنام الذي يشارك ويحتفل بشخصه ومع زملائه من كبار علماء القيروان خلال الندوة الدولية التي خصصت لهم وتكريما لهم «الاحتفاء بكبار علماء القيروان» شد الرحال إلى فرنسا سنة 1975 ليزاول دراسته هناك، حيث أتمها بنجاح ونال عديد الجوائز والميداليات يتقدمهما الوسام الأكبر الذي تسلمه من «جاك شيراك» سنة 2005 نظير كفاءته المهنية في الطب الفرنسي. وهو متزوج وأب لأربعة أبناء توزعوا على الطب والقانون والهندسة. وللأمانة لم نجد صعوبة في محاورته ولاح متواضعا تواضع العلماء.. وإليكم بقية تفاصيل الحوار: نريد معرفة الدكتور محمد غنام؟ تعود أصولي إلى معتمدية السبيخة، سافرت إلى فرنسا سنة 1975 ودرست الطب وأنا الآن رئيس قسم الأمراض القلبية بمستشفى «ليوبولد بيلون» ثم رئيس قسم أمراض القسطرة بمستشفى «قوناس» وأشرف على 60 شخصا من إطار طبي وشبه طبي بمن في ذلك 4 إطارات من تونس، كما أني أدرّس في الجامعة التي توجد بها نسبة 10٪ من العرب يدرسون ومتفوقون، إلى جانب عضويتي ببلدية باريس منذ السنة الفارطة. ترأست الجلسة الأولى التي كان عنوانها «الحياة العلمية والثقافية بالقيروان»؟ عشت سابقا في القيروان، ومن الناحية التاريخية نقدر أن نرد لها مجدها، ولكن في الحاضر كل شيء تغير، بما في ذلك عقلية الطبيب. تاريخيا نعرف أن ابن الجزار كوّن مدرسة وهو طبيب الفقراء، وقد ترك هو وأمثاله من العلماء بصمات وعمل بحقيقة محبته للإنسان لانقاذه. أما الآن فانظروا ماذا ترك أطباء اليوم، عقارات، سيارات، أموالا وقصورا وضيعات. وأنت ماذا تركت؟ لو كنت أفكر في الكسب المادي لشاهدتني من الأثرياء الكبار، لقد اخترت عن طواعية الوظيفة العمومية في مستشفى وعملت حدا بيني وبين المادة، طبيب الخواص يعامل المريض معاملة خاصة عكس الطبيب في العمومي الذي لا يفكر إلا في صحة المريض بأمور معقولة. وشخصيا أستقبل على الأقل 3 أو 4 أشخاص من تونس لأسهر على تكوينهم. أنا أعمل ومقتنع ولا أنتظر لا جزاءا ولا شكورا. نعود إلى الحياة العلمية بالقيروان من القرن الثالث إلى القرن الخامس هجريا؟ في ذلك العهد، القيروان كانت علميا عاصمة الغرب الإسلامي وكانت من المدن الثلاث التي لها إشعاع (بغداد وقرطبة والقيروان) في عهد الأغالبة والفاطميين. .. والمدرسة الفقهية القيروانية؟ المدرسة الفقهية سيدها الإمام سحنون الذي كتب على المذهب المالكي والمدرسة كانت لها إشعاع كامل وهي التي وحدت المغرب العربي. والمدرسة الطبية لابن الجزار؟ هو الذي كتب زاد المسافر وكتبه وقع ترجمتها إلى اللغة اللاتينية وأسندت للأوروبيين في القرون الوسطى، وكتبه موجودة في أهم وأكبر المكتبات الأوروبية، وابن الجزار خلق علم الصيدلة، وهو الذي خلق الصحة العامة وطب الشيخوخة. مدينتك القيروان تعيش على إيقاع عاصمتها الثقافية لسنة 2009؟ هي تستحق اللقب لأن تاريخها مجيد وثري، وهي مدينة الفتوحات للغرب الإسلامي ومن القيروان ذهبوا إلى إسبانياوفرنسا ونهر الواعر («الألوار») وهي الوحيدة العاصمة الأبدية، وفي هذا الاطار سننظم يومي 20 و21 نوفمبر المقبل ندوة حول «العلم والأخلاق». شهد العالم تسلسلا في أنواع الأنفلونزا وبنسق متواتر الواحد تلو الآخر؟ في اعتقادي هناك مبالغة كبيرة، لأن الأمراض موجودة منذ القدم، لكن الإنسان يتطور وبالتالي الأمراض تتطور، ولعلمكم أنفلونزا الخنازير (N1 H1) قتلت إلى حد الآن تقريبا 2700 شخص، أما «القريب» العادي فقد قتل مليوني شخص، نعم أخلاق الطبيب هي دواء المريض. في فرنسا لا يموتون، في منازلهم، بل يريدون الموت في المستشفى وفي قسم الانعاش تحديدا ولذلك يجب على الناس قبول أمر الموت ولو أن الطب يقلل من الآلام عبر محاولة العلاج. باعتقادك من يكون وراء هذه الضجة إذن؟ هو تهويل كبير للأمر، ومنطقيا وسائل الاعلام تخيف السياسيين وإذا كانت وراء هذه الضجة أغراض تجارية مادية، فمن المفروض مراعاة صحة الإنسان فهي فوق تلك الأغراض.. حياة الإنسان أغلى من المادة.. وحتى إن كانت الأغراض مادية فهي تتعدى وسائل الإعلام. ما هي أحسن طريقة للوقاية منه؟ كطبيب لا أقدر أن أقول للإنسان لا تقوم بالوقاية، وفي فرنسا هناك 60٪ من الأشخاص في قطاع الطب لا يرغبون ولا يريدون التلقيح. كيف هي أحوال العنصرية في فرنسا؟ العنصرية موجودة في كل مكان وزمان، حتى من خلال أنفسنا وعائلاتنا، ولكن وبحكم ظروفي المهنية للحقيقة لم أتعرض للعنصرية، ربما مركزي وكفاءتي هي التي حالت دون ذلك، والمريض في فرنسا عندما يشاهد رئيس قسم «عربي» يشفى.