بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القنديل الثاني: الدكتور بشير قدانة ل «الشروق»: لا بد أن يعي الأطباء أن الناحية الإنسانية أهم من كل شيء في مهنتنا
نشر في الشروق يوم 23 - 11 - 2009

سحرتني شخصية الدكتور بشير قدانة منذ تعرفت عليها، هو يمثل درة نادرة في زمن تسيطر عليه كآبة العلاقات والمعاملات، ونحن في هذا العصر أكثر مانكون في حاجة لعلاقات إنسانية تعتمد على تفهم الفرد والجماعة في ضوء الأهداف العامة، بالنسبة للدكتور قدانة العلاقات الإنسانية تركز على العنصر البشري أكثر من التركيز على الجوانب المادية والعلمية. رضاء الأفراد وإرتياحهم في أعمالهم إنما هو نتيجه للشعور بالتقدير والشعور بالإنتماء والمشاركة. يعتبر أن العلاقات الانسانية ليست مجرد كلمات مجاملة تقال للاخرين، وانما تفهم لقدرات الافراد وطاقاتهم وظروفهم ودوافعهم وحاجاتهم، واستخدام كل هذه العوامل لتسهيل العيش الكريم والكرامة للفرد.
بشير قدانة كطبيب يحتفي بما شب عليه باكراً: الحب والعطاء، حياته تزخر بأبعاد إنسانية، وعواطف متدفقة، وأحاسيس نبيلة، وتجارب متباينة في حلاوتها ومرارتها، يتعامل مع مفهوم الطب في ضوء اللغة والأدب، فيحلق خياله الشعري في آفاق المدلول الطبي، كفرع من فروع العلم ليحمل الراحة والأمل.
بشير قدانة اكتسب من كلمة إنسان مجموعة من المعاني، جعلته ذلك الإنسان الذي يتصف بصفات تجعله أهلاً لحمل ذلك الوصف.
داوى، عالج، وجد حلولاً ومفاتيحاً، فتح أبواباً وآفاقاً للمرضى والأطباء والناس العاديين، يلجؤون إليه كما يريد أن يكون « النخاس» ذلك الذي يداوي الروح والجسد.
ابتدأ باكراً النضال المشرف، ساند الشعب العربي بجمع إعانات أثناء حرب 73، و شرف تونس والعرب والإنسانية بمساندته الشعب العراقي في محنته أثناء حرب الخليج.
زوجته السيدة نبيهة قدانة تؤكد أن لولا مساندته لها لما إستطاعت القيام بدورها السياسي كما قامت به، بصدق وإخلاص ونجاح.
ولدت في مرناق بالعاصمة، توفي والدي أصيل الحمامات بعد ولادتي بشهرين ورباني جدي والد أمي أصيل جربة ، ثم شقيقي الأكبر، اكتشفت أصول عائلتي الأندلسية عن طريق الأب كاليندو وهو من أصول إسبانية، عرض علي وثائق تحمل قائمة بأسماء ما يقارب 400 عائلة من أصل أندلسي.
كنت تلميذاً مجتهداً حتى سنة البكالوريا، توقفت عن الدراسة لمدة سنة، أردت أن أتابع دراستي في السينما لكن العائلة لم توافق، و إكراماً لها دخلت كلية الطب تكريماً لشقيقي الطبيب و قامت العائلة بعملية إسقاط على شخصي، لم تكن الدراسة هي التي تشدني في «الليسيه»، الأنشطة على هامش الدراسة هي التي حظيت باهتمامي، الثقافة و المسرح ودروس الموسيقى عند أستاذنا صالح المهدي، وخاصة... خاصة القراءات والمطالعات التي كانت تتراوح بين البير كامي، سارتر، الشابي، ماركس، كل ما كان كلاسيكياً في ذلك الحين.
هل أثر عليك ماركس في تلك المرحلة من العمر؟
جداً ... من لم يكن ماركسياً في العشرين من عمره ليس له قلب.
هل إنتهى اليوم ماركس؟
كانت فلسفة ماركس مهمة في حياتي الشبابية، المساواة، الحرية والعدالة، وأن غائية كل شيء هي الإنسان، ماركس لا ينتهي نهائياً، لكن مع صدمة الحضارات تقع تساؤلات كبيرة حول كل تلك القيم التي شغلتنا في شبابنا، رغم عودتي لأفكار ماركس وما توقعته من الحضارة المادية اليوم.
لا بد أن السفر إلى فرنسا في خضم سنوات التساؤلات 67-68, كان له تأثير على مخزون القراءات؟
بالطبع كانت الموجة العالمية للمطالبة بالحرية العامة و الديمقراطية، كنت الكاتب العام لنقابة الطلبة، وإنتميت إلى اليسار بحثاً عن كل ما كنت أريد تحقيقه من قيم ومبادئ. في فرنسا أصبح العمل النضالي أكثر إنسانية، أثناء حرب 1973، كونا مجموعة لجمع التبرعات والأدوية والدم وأرسلناها لمصر وفلسطين.
كيف كانت عودتك إلى تونس؟
سنة 75، عدت إلى تونس وانخرطت في الجمعية العامة للأطباء، كان هناك العديد من المشاكل منها مشكلة الوصفات الطبية، والاتفاقيات بين الأطباء والنظام، واكتشفت من خلال كل ذلك أنه لا يمكن لعمادة الأطباء الدفاع عن المهنة، لم يكن لها شرعية ذلك، كان لا بد من بعث نقابة للمهنة الحرة، فزيادة لما كانت تتضمنه قوانين العمادة من تنظيم، أخلاقيات ونظام، كان للنقابة الحق والإمكانية في حماية المهنة من الناحية المادية. والمستقبل أعطانا الحق في قراراتنا، فكل عشر سنوات تقريباً هناك أزمة بين الأطباء والنظام مثل مشكلة الضرائب أو الضمان الإجتماعي وغير ذلك ...
من بين المشاريع التي ناضلت للحصول على شرعيتها، هو الصندوق الوطني للتأمين على المرض.
25 سنة لتنفيذ هذا المشروع منذ ولادته سنة 1984، ليصبح صندوقاً جاري المفعول. كان هناك شك وعدم ثقة من الطرفين، بالنسبة للأطباء من الصعب الإقتناع بوضع المهنة تحت سلطة صندوق التأمين، وخاصة مصلحة مراقبة الضرائب التي كانت مشطة جداً، تصل إلى حذف 80 في المائة من مدخول الأطباء، لكن منذ أن تم إصلاح قوانين الضرائب بأكثر إنسانية، أصبح مشروع الصندوق الوطني ممكناً، كان الإتحاد العام التونسي للشغل حليفنا لإنجاح المشروع، ما زلنا نحتاج لوقت افضل لتحسين الأهداف والنتائج. وسيقدم ميدان الصحة الكثير للمواطن الذي له الحق في إختيار طبيبه، و ذلك عامل من عوامل الإستقرار الإجتماعي.
حملت وجيلك أحلاماً وآمالاً، هل في اعتقادك تحققت هذه الآمال والأحلام؟
لم نصل إلى الكثير منها، المجتمع لا يتغير عبر جيل واحد، لا بد من عدة أجيال، هناك نوع من عدم الإكتراث لثوابت كانت أساسية أخلاقية واجتماعية، تركيبة المجتمع تجعل البعض يتحدث عن الحرية دون ممارستها، بقي قلائل من أولئك الذين كانوا ينادون بالقيم والأفكار الكبيرة. أين الاتجاه اليساري؟ الوطد؟ العامل التونسي ؟ تفرق الجميع، لم يبق حتى الذكرى .
كنت الأمين العام لنقابة الأطباء منذ تأسيسها ولمدة 12 سنة، لماذا إنسحبت؟
يجب أن لا يبقى دائماً نفس الشخص، ثم أصبحت زوجتي في الحكومة ومن الأحسن ترك الحرية للنقابة. لكنني عينت أول رئيس شرفي للنقابة.
أسست أيام ناصر الحداد الطبية؟
تكريماً للمرحوم الدكتور ناصر الحداد، ذلك الرجل العظيم، بعثت أيام الناصر الحداد من سنة 84 إلى سنة 2008، وهي أيام للأطباء من الصنف الأول، بمشاركة الجامعيين.
ما هي أعمال هذه الأيام؟
قبل كل شيء تذكير الأطباء والمختصين بدورهم الإنساني لا أطباء وعلماء فقط، وفتح المجال للقاء أطباء الطب العام والمختصين في مكان واحد، ثم عرض ما هو جديد في المهنة، بحث علاقة الطبيب والمريض، ضغط العمل وضغط المحيط، الأمراض النفسية والمحيط، أيام الناصر الحداد مفتوحة على المشاكل الإنسانية كموضوع النساء المضطهدات، في كل مرة نختار موضوع تشارك فيه كل الإختصاصات. أطباء وبياطرة، صيادلة، وجامعيين. وهو تعبير عن الإرادة للعمل الجماعي.
هل كانت لتلك اللقاءات والمشاريع آفاق ونتائج؟
عملنا فوروم للتفكير والمناقشة، وعرضنا العديد من المقترحات ووصلنا إلى تنقيح العديد من القوانين و تنظيم القطاع الخاص والعام، بموافقة وزارة الصحة، خاصة خلال وزارة الدكتور الدالي الجازي.
إبتعدت عن العمل النقابي؟
ما زلت منسق المجمع النقابي للمباشرة الحرة. وهو تجمع صيادلة، أطباء، أطباء اسنان، إختصاصيين بيولوجيا، ومستشفيات خاصة. والمجمع ينسق العلاقة بين الدولة والصندوق الوطني للتأمين على المرض، وهو الذي قام بالمجهود لإتمام مشروع الصندوق.
لعبت دوراً مهماً للمساعدة أثناء حرب الخليج؟
كنت عضواً في اللجنة العليا للتضامن مع الشعب العراقي واللجنة كانت تجمع عشرين جمعية. كان هناك تضامناً شعبياً مطلقاً، أرسلنا وفداً أثناء القصف، كان هناك 500 طلب للإلتحاق بالعراق بين أطباء وممرضين ومبنجين، جمعنا مبالغاً ومساعدات مهمة، أرسلناها عن طريق الهلال الأحمر، كل ذلك كان مجهوداً شعبياً مستقلاً، أوصلنا شخصياً المساعدات رغم القصف والخطر المحيط بالمهمة. أوصلتها بنفسي الى بغداد، رغم أنهم حاولوا استلام الإعانات في الحدود.
لماذا لم تعمل بالسياسة؟
أنا أساعد أكثر من مكاني، ثم إن النظام لديه منطق خاص، النظام هرمي، من في الأسفل يخدم من في الأعلى، مهما كان مستواه الفكري أو المعرفي، وإذا خرجت عن النظام الهرمي تقذف خارجه،
لكن ما زلت تمارس أنشطة حرة؟
أنا رئيس جمعية قدماء المعهد العلوي. وعضو في نقابة الأطباء العرب.
لنتحدث قليلاً عن هوايتك، أو بالأحرى اختصاصك الممتع؟ المطبخ؟
منذ طفولتي في السابعة من عمري كنت أدخل المطبخ مع والدتي وأقترح عليها ماذا تضع في الطنجرة من بهارات، تنهرني وتطلب مني الخروج لأن المطبخ ليس مكان الرجال، لكنني أبقى في الزاوية أراقبها. كنت مشدوداً بالألوان والروائح وأسماء البهارات، بعد ذهابي إلى باريس كنت أراسل زوجة عمي طباخة ماهرة وأسألها عن وصفاتها التي أحسنها بإضافات شخصية وأدعو أصدقائي لتذوقها، وواصلت ذلك بعد زواجي .ورغم أنني لم أعد أطبخ كل يوم، لكني أعلم المعينات في المنزل الوصفات الخاصة، ويكتشفن من خلال نظراتي ليعرفن إن كن نجحن في تعلم الطبخ. لدي ذاكرة ذواقة، والذاكرة هي التي تسمح بالخلق والتجديد.
تنوي تحضير كتاب عن الطبخ؟
الكتاب حاضر، هل تعلمين أن هناك 68 طريقة لتحضير الكسكسي في تونس فقط؟ الكسكسي وصفة أتت من الحضارة البربرية حسنها الفينيقيون الذين أتوا بالزبيب والزعفران، له حكايات وتاريخ الكسكسي، ككسكسي مايو الذي يطبخ في 14 ماي مقابل عيد النيروز، والكسكسي بالسمك الذي أتى من صقلية، أود وضع كتاب عن المطبخ التونسي وإختصاصات كل الجهات حتى لا تضيع وتمحي، نريد أن نغير الأشياء عبر الحياة وفي النهاية نحن من يجب أن يتغير.
والعائلة وسط كل هذا؟
للعائلة مكانتها الثابتة، من صفاتها التضامن والتلاحم، كل فرد يجد الآخر عندما يحتاجه، رغم الظروف اليومية لا مجال للقطيعة، العلاقة متينة يشملها الكثير من الإحترام، فلا أحد يتدخل في شؤون الآخر، لا نتطفل أبداً.
هل كان لإلتحاق زوجتك نبيهة قدانة بالساحة السياسية تأثير على حياتك العائلية والعملية؟
شخصياً ابتعدت قليلاً عن الساحة العامة. وقد تحدثنا طويلاً، على أساس توازن التواجد والمهام، استلمت مع والدتها شؤون المنزل وتربية الأولاد، هذا لا يعني أنها كانت غائبة عن المنزل، رغم انشغالها خاصة أنها ملتزمة جداً بعملها.
لا بد أن فراق أولادك وبعدهم عنك يؤثر عليك؟
كثيراً، كما ذكرت نحن عائلة ملتحمة، بنتي في كندا تعمل خبيرة حسابات ، وإبني البكر مدير شركة في لندن، والثاني لديه دكتوراه دولة في الإعلامية ويعمل في باريس.
هل تستشيرك زوجتك فيما يخص عملها؟
أساندها كثيرا لأنني أؤمن بما تريده، أعطيها نصائح إذا طلبتها, ولا أتدخل أبدا في عملها .
هل اسئلتي دفعتك لسؤال نفسك عن نفسك؟
من خلال سؤالك عن نفسي أتساءل أنا أيضاً : ماذا أفعل على هذه المساحة من الأرض؟ ماذا أفعل بحياتي، وأعتقد أنني لا أطرح هذا السؤال كثيراً، فأنا أعيش حياتي وأعمل بدون تنظير، أعتبر أني أعيش في المدينة ضمن كل ما تمنحه من أنشطة ثقافية وفكرية، وأؤدي دوري كالطبيب الذي قرأنا عنه في كتبنا القديمة (النطاسي) الذي يعالج أمراض الناس الجسمية والنفسية، فغالباً أنا الصديق والحكيم، لست فقط الطبيب المداوي، أقدم نصائحي حتى فيما يخص زواج الأولاد والبنات، أو تشغيل أحدهم، أو نجاحاتهم ودراستهم.
لا بد أن هذا يسعدك؟
بالطبع لكن من الأفضل أن يتعلم الناس الإعتماد على أنفسهم، وعدم الإتكال على غيرهم.
هذا جميل من الناحية الإنسانية ؟
لا أنكر أن هذا هو الوجه الجميل للمهنة، خاصة عندما يأتون بهداياهم، قفة خبز، شربة تشيشة، القليل من البيض، هدايا لا دخل لها بأجرة الطبيب، تعبير عن المحبة والإمتنان. ربط علاقة بين الطبيب ومرضاه.
أنت تمثل ما كان يسمى في الماضي بالنطاسي مثل إبن الجزار وأمثاله، طبيبا وفيلسوفاً وعالماً ومدرساً؟
ابن الجزار كان طبيب الشعب والمحتاجين، وهذا هو دور الطبيب، لست إبن الجزار وليس لي شخصيته، ولكنني أؤمن أنه لا يكفي ما ندرسه في كتب الطب، لا بد من الحصول على أكثر ما يمكن من المعلومات، البحث عنها من خلال التجربة. عندما يأتيني «معتمدين مخابر الأدوية» أعطيهم كتاباً ثم نتحدث فيما بعد، وعندما يستقر في الجوار طبيب شاب أذهب إليه لتشجيعه، وأعرض عليه خدماتي متى إحتاجها وأقول له ربي يعينك وينجحك.
ماذا تقرأ اليوم؟
كل الأنواع من القراءات، تاريخ قرطاج، إبن خلدون، تاريخ مصر القديمة، كبار المفكرين في تونس والعالم. أقرأ الكثير من الشعر، لافونتين، إليوار، الشعر الجاهلي، وما زلت أقرأ بنهم.
تحب قراءة التاريخ؟
قراءة التاريخ تريحني، تفتح الأبواب لمعرفة من أين نحن؟ وإلى أين وصلنا ؟ تاريخ الحضارات الممتدة عبر قرون، منذ ايام الدراسة كنت أسافر على الخريطة لأعيش لحظات عظيمة، وأكتشف مثلاً تاريخ قرطاج مسترسلاً، اليوم أعيش السفر عبر الأنترنيت، عندما أردت إكتشاف جذوري الإسلامية ذهبت للعمرة.
والموسيقى؟
الكلاسيكي العالمي مثل تشايكوفسكي، والكلاسيكي العربي، علي الرياحي، اسمهان، فيروز، عبد الوهاب. والأجانب جاك بريل، براسانس، فيريه، فيرا، بياف... وأنا مغرم بموسيقى الجاز, موسيقى الغجر, واكتشفت جمال موسيقى النيبال والصين عبر المهرجانات...
أنت مولع بالمسرح والسينما؟
السينما بدرجة أقل، أحب الأفلام التي تحمل موضوعاً، غرامي بالمسرح إنطلق منذ فترة المسرح المدرسي، وأعتقد أنه يجب أن يكون هناك توجه أفضل للنهوض بالأنشطة الثقافية عامة والمسرح المدرسي خاصة. تنمية الميولات الثقافية والفنية منذ مقاعد الدراسة ممكن أن تبعد وتنقذ الشباب من التطرف. أحب مسرح فاضل الجعايبي، محمد ادريس، رجاء بن عمار... مسرح توفيق الجبالي مهم جدا سلسلة كلام الليل رائعة، يعجبني الإتجاه الجديد في المسرح الفردي، وخلال سفراتي لفرنسا أتشبع بكل ما يعرض من المسرحيات. لا أستسيغ المسرحيات التي تحاول أن تضحك بخطاب مباشر، وأعتقد أن العمر ومرحلة من النضج تجعل لميولاتنا الفنية والثقافية طلبات لحد أدنى من المستوى والذوق.
لو سألتك ماذا تفكر ببشير قدانة؟
لقلت أن بشير إرتكب العديد من الأخطاء في حق بشير، في فترة من العمر كنت بريئا جدا وعندي ثقة كبيرة في جميع الناس، اكتشفت فيما بعد النفاق الإجتماعي، البحث عن المصلحة، التملق والرياء، المراهقة دامت طويلا ولا تزال.
لو إستطعت أن تعيد دورة الحياة؟
أعيدها كما عشتها. لعدت لنفس الأخطاء ونفس الحماقات. في العشرين نريد أن نغير العالم، في الثلاثين نريد أن نغير البلد، في الأربعين نريد أن نغير عائلتنا، في الخمسين نحن من نستحق أن نغير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.