عندما تم اغلاق سينما «الأوديون» في مدينة ليون في فرنسا منذ شهرين، اضطر مدير القاعة الى التخفي خوفا من رد فعل الجمهور وخصوصا روّاد القاعة الذين تعوّدوا الاقبال عليها منذ عشرات السنين، بحثا عن الأفلام الجادة أو ما يعرف بسينما «فن وتجربة» (Art et essai)، وبالفعل كان ردّ فعل رواد القاعة، بعد أن فوجئوا بغلقها، أن تجمّعوا أمام أبوابها مطالبين بإعادة فتحها والعدول عن قرار غلقها. فما كان من عملة وأعوان القاعة الذين كانوا غاضبين بدورهم، ل «انتهاء الخبزة» إلا أن أعادوا فتحها وتنظيم عرض مجاني للمتظاهرين كان آخر عرض في نشاط القاعة. تذكرت هذه الحادثة بعد أن قرأتها في صحيفة «لوموند» الفرنسية، وأنا أمرّ أمام قاعة سينما «الشانزليزي» بالعاصمة، وهي قاعة مغلقة كما هو معلوم، منذ سنين، شأنها شأن عشرات القاعات بالعاصمة وداخل البلاد التي أغلقت أبوابها دون أن يحرّك أحد ساكنا، بل أن الجمهور الذي اعتاد ارتيادها لم ينقطع عن التجمع أمامها، ولكن في المقاهي المحاذية حيث تحوّلت مداخل القاعات الى «تيراس» للمقاهي كما هو الحال في قاعة «الشانزليزي» بالعاصمة مثلا... لماذا لم يتحرّك جمهور السينما في تونس حين أغلقت قاعة «الكابيتول» وقاعة «سيني سوار» وقاعة «الأفراح» (البياريتز سابقا) وقاعة «سيني موند» وقاعة «ستوديو 38»، وغيرها من القاعات، سواء داخل العاصمة أو خارجها؟ هل هو أقل شأنا من جمهور السينما في فرنسا؟ هل هو أقل وعيا وثقافة منه؟! أسئلة وتساؤلات كثيرة اجتمعت في ذهني وأنا أبارح مدخل قاعة ال «شانزليزي» في شكلها الجديد (التيراس). قلت: لماذا لا أقوم برحلة بين ما تبقى من قاعات السينما علني أعثر على اجابة. وبالفعل أدركت الاجابة عن كل الاسئلة والتساؤلات بمجرّد أن وجدت نفسي جالسا، مثل «اخوتي» في مقهى بفضاء البالماريوم حيث كانت توجد قاعة للسينما بنفس الاسم. والاجابة، هي أنني لم أعثر على فيلم واحد جديد في كل القاعات التي جبتها، باستثناء قاعة سينما «أفريكا آرت» (أفريكا سابقا) التي كانت تعرض فيلم «الزمن الباقي» للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان، وهو فيلم جديد يعرض لأول مرّة في تونس. لم يتحرك جمهور السينما في تونس ضد غلق القاعات لأن هذه الأخيرة، وأصحابها تحديدا لم يقدّموا شيئا ذا قيمة، للجمهور، بل انهم لم يحترموه حتى يدافع عنهم. وإذا كان رواد سينما «الأوديون» في ليون بفرنسا قد تظاهروا ضد غلق القاعة فلأنها كانت تقدّم لهم أفلاما ذات قيمة، أما قاعة «الشانزليزي» في تونس ومثلها كثير، فقد انتهت عروضها الى أسوإ الافلام وأدناها. أليس الجلوس في «تيراس» المقهى ومشاهدة المارّة أفضل فرجة من فيلم رديئ انتهت مدة صلوحيته؟!