تعرض قاعة «أفريكا أر» منذ أيّام الشريط الجديد للسينمائي الفلسطيني إيليا سليمان «الزمن الباقي» الذي كان عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» الذي سبق له سنة 2002 أن منح السّعفة الذهبية لشريط «يد إلهية» لنفس المخرج المقيم في المناطق الفلسطينية المغتصبة سنة 1948 . شريط «الزّمن الباقي» الذي يستغرق حوالي الساعتين موجع ومؤلم وحزين، ذلك أنّ إيليا سليمان كتب في هذا الشريط سيرة الأرض الفلسطينية المغتصبة والشعب الفلسطيني المشرّد من خلال السيرة الذّاتية للمخرج الذي صرّح لوكالة الأنباء الفرنسية أنّ شريطه هو سيرة ذاتية يريد من خلالها أن يقدّم سيرة شعبه المناضل الذي لم يستسلم لليأس رغم العتمة والإحباط. في الشريط نشاهد إيليا سليمان الشخصية الرئيسية في الشريط وواضح أنّ المخرج أراد أن يتماهى مع الأحداث التاريخية من خلال المحافظة على اسمه حتّى في الرواية السينمائية، نرى الطفل إيليا الذي يصدم في عمر مبكّر بمأساة أهله وهم يرحلون عن أرضهم ويتركون الوطن لغرباء جاؤوا من أوروبا تحت شعار العودة الى أرض الميعاد ونشعر بحجم المرارة التي تكبر في قلب الطفل الذي يجبر على حفظ أناشيد يهودية تتغنّى بتحرير الوطن! ونتعاطف مع الشاب إيليا وهو يناضل من أجل تحرير بلاده فيحرق علم إسرائيل ويسجن ونعيش خيبة الكهل إيليا الذي وقف على خيبة الأحلام العربية وانهيار كل شيء. فيختار الصّمت طريقة للتعبير لأنّ الكلمات لم تعد تجدي نفعا وحجم المرارة العربية أكبر من الوصف! ضحك كالبكاء لم يخل الشريط رغم مرارته من الضحك، لكنّه ضحك كالبكاء من خلال مشهد الجندي العراقي المتطوّع في حرب فلسطين الذي يصل بعد انتهاء الحرب فيضيع بين الدروب والمسالك في إشارة واضحة الى ضياع العراق !أو مشهد السّكير الذي يقضي معظم الوقت في معاقرة شراب العرق وحين يتذكّر مأساته يحاول الانتحار بإضرام النّار في جسده. فلسطين المأساة هذا الشريط الذي حاز على اهتمام الجمهور والنقّاد صوّر المأساة الفلسطينية وسيرة اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ومأساة أجيال من الفلسطينيين ممّن حرموا من حقّهم في الحياة وشرّدوا بين المنافي ومخيمات اللجوء. شريط موجع ومؤثّر كشف عن نضج تجربة المخرج الفلسطيني صاحب «يد الهية» الذي يبدو أنّه اختار مخاطبة العالم من خلال الصورة لتقديم شعب مسلوب الحرية وأرض مغتصبة اسمها فلسطين. «الزّمن الباقي» سيرة موجعة لوطن حزين وشعب مكافح وأرض مغتصبة.