تونس الصباح: يبدو أن فرصة السينما العربية لكي تُجدّد العهد ثانية مع التتويج الكبير في مهرجان «كانْ» السينمائي الدولي قد اصبحت قائمة وذلك بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود كاملة على أول تتويج لفيلم عربي بجائزة «السعفة الذهبية» ممثلا في شريط «وقائع سنوات الجمر» للمخرج الجزائري محمد الأخضر حامينا.. فالأصداء القادمة من كواليس الدورة 62 لهذا المهرجان التي تُختتم اليوم (الأحد) تشير الى النجاح الكبير الذي حققه الفيلم الفلسطيني المدرج ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة «ما تبقى من الزمان» للمخرج ايليا سليمان. استحسان.. بل اعجاب! جمهور مهرجان «كانْ» في دورته الجديدة (62) صفق طويلا لشريط «ما تبقى من الزمن» عند عرضه أمس الأول في اطار المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة فقد استحسنوا خطابه السينمائي المفعم بالواقعية والبساطة والمرح.. اما النقاد وبعضهم كتب عنه مقالات مطولة في الصحافة الفرنسية فقد رأوا فيه شريطا على درجة كبيرة من الفنية وانه يمثل امتدادا لتوجه فني يعكس اسلوبا سينمائيا مبتكرا في التعاطي مع القضية الفلسطينية ينفرد به المخرج ايليا سليمان.. اسلوبا كان قد أبان عنه في شريطه الأول «يد الاهية» الذي فاز بجائزة التحكيم الخاصة في دورة عام 2002 لمهرجان «كانْ» ومن أهم خصائصه الحرص لا فقط على أنسنة كل أطراف معادلة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بل وحتى المحيط والأشياء بما فيها «أدوات» الاقتتال من دبابة ورشّاش وغيرها!!! حكاية الشريط شريط «ما تبقّى من الزمن» يبدو أقرب الى السيرة الذاتية فهو مستوحى من المذكرات الشخصية لوالد المخرج كما تعكسها رسائله الى زوجته (والدة المخرج) حين كان مقاوما.. وكذلك رسائلها هي التي تبادلتها مع اقاربها ممّن أرغموا على الخروج من فلسطين. أحداث الفيلم تبدأ بتاريخ 1948 من بلدة الناصرة مسقط رأس المخرج ايليا سليمان مع والده المقاوم المهزرم بعد النكبة وتمتد الى الواقع الراهن اذ نشاهد بطل الشريط (المخرج ايليا سليمان) يزور والدته الأرملة المسنّة ويتصفّح معها ألبوم صور يتعرف المشاهد من خلاله على واقع الأسر الفلسطينية التي لم تغادر وبقيت مقيمة على تلك الارض التي أصبحت تسمّى اسرائيل حيث تحولوا الى مجرّد أقلية «غريبة».. حبل الذكريات من خلال الصور ومضمون الرسائل سنراه يمتد في الشريط ويشمل مختلف مراحل المأساة الفلسطينية انطلاقا من تاريخ النكبة (حرب 1948) الى عهد النكسة (هزيمة حرب 1967) ثم الانتفاضة الفلسطينية.. ليصل الى حيثيات الواقع الفلسطيني الراهن: الجدار العازل وتفاصيل الحياة اليومية للانسان الفلسطيني في ظل هذا الوضع.. جائزة قد تكون مُستحقّة النقّاد العرب والأجانب الذين تكهّنوا لشريط المخرج الفلسطيني ايليا سليمان «ما تبقى من الزمن» بانه سيكون ضمن الاشرطة المتوجة باحدى جوائز مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان «كانْ» في دورته الحالية (62) وربما حتى بجائزة «السعفة الذهبية» استندوا في ذلك من جهة على مساحة الخيال المرح التي تتوفر عليها «لغة» الشريط المنطوقة والمرئية بل وحتى مقاطع الصمت فيه كما استندوا من جهة اخرى على جوهر مضمون الرسالة الثقافية وربما السياسية التي يستنبطها الشريط والقائمة في عمقها على الدعوة لنبذ العنف واستهجان مختلف «أدواته» وتمظهراته.. وتبنّي «منطق» المقاومة السلبية من أجل «محاربة» الظلم والاحتلال وفي سبيل الوصول الى واقع تعايش افضل بين الفلسطينيين والاسرائيليين..