يبدو أن المصالحة بين «فتح» و«حماس» باتت أبعد وأصعب من أي وقت مضى بعد خطابين شديدي اللهجة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي ل«حماس» خالد مشعل على خلفية سحب تقرير غولدستون من مجلس حقوق الانسان، الأمر الذي زاد الفجوة اتّساعا بين أكبر فصيلين على الساحة الفلسطينية. فكلّما اقترب الموعد المقترح لعقد جلسة الحوار وتوقيع اتفاق المصالحة ظهرت أسباب أخرى للتفرقة وانكشف حجم الهوة العميقة بين الجانبين، وتبين أن ما يفرّق الحركتين أكبر بكثير مما يجمعهما، إذ لم يعد الخلاف منحصرا في رؤية كل طرف للتعامل مع العدو الاسرائيلي، سواء باتباع طريق المفاوضات أو نهج المقاومة بل ان الخلافات طالت كل شيء تقريبا وشملت الملفات الأمنية والسياسية والاجتماعية وكل ما يهم الشأن الداخلي الفلسطيني وكيفية إدارته، وكذلك كل ما يهم التعامل مع الآخر، بدءا بإسرائيل فالقوى العربية والاقليمية وخارطة تحالفات كل طرف. ولا شكّ أن تردّي العلاقات بين «فتح» و«حماس» الى هذا الحد يجعل الساحة الفلسطينية منفتحة على احتمالين على الأرجح، فإما التعجيل بتوقيع اتفاق المصالحة وتحقيق الوحدة وإما القطيعة الطويلة الأمد واستمرار حالة الانقسام الى أجل لا يعلمه إلا الله. وبالنظر الى التطورات الحاصلة حاليا يبدو الاحتمال الثاني، وللأسف، أقرب الى الواقع والمنطق، لأن أسس المصالحة غير متوفرة في الوقت الراهن في ظل محاولة كل طرف نزع شرعية الآخر وأخطر ما في هذا الأمر هو فقدان كل طرف لهذه الشرعية المتنازع عليها لأنه حينها يحصل الانقسام الحقيقي وسيصبح المشهد معقّدا ويفتح الباب لصراع على من يمثل الشعب الفلسطيني، وإذا لم يتم تدارك الموقف والاتفاق على موعد وصيغة للانتخابات تُرضي الطرفين فإنّ السيناريو الأسوأ بات وشيكا. وأما الأس الثاني من أسس المصالحة المفقودة فهو توفر النية الصادقة في إنجاز هذا الاستحقاق الوطني المهم فعندما كان موعد 25 جويلية الماضي مقترحا للحوار وتوقيع اتفاق المصالحة سارع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الى رفع«الفيتو» متذرعا بأن ذلك الموعد يتعارض مع موعد عقد المؤتمر السادس لحركة «فتح» الذي انعقد فعلا مطلع أوت الماضي، وانفضّ الاجتماع وكان ينبغي أن تتجه الأنظار الى لمّ الشمل الفلسطيني وإنهاء حالة الانقسام فكان أن اقترحت القاهرة موعدا آخر في موفى أوت الماضي لكن عباس وجد مرة أخرى ذريعة لتأجيله وأعلن فجأة عن عقد اجتماع استثنائي للمجلس الوطني الفلسطيني فكان أن تمّ إرجاء جلسة الحوار مرة أخرى الى موفى أكتوبر الجاري، لكن السلطة الفلسطينية استبقت هذا الموعد بتفجير قنبلة تأجيل مناقشة تقرير غولدستون في مجلس حقوق الانسان وإعفاء اسرائيل من المحاسبة على جرائم الحرب التي ارتكبتها في قطاع غزة، وما خلّفه ذلك من حالة استياء وغضب وسخط شديد على السلطة الفلسطينية. وبدا أيضا أن «حماس» وجدت الذريعة المناسبة لشنّ هجوم غير مسبوق على سلطة عباس وذهبت الى حدّ تخوينه واتهامه بالعمل ضد إرادة الشعب الفلسطيني، وهو ما خلق أجواء من التوتر لا سابق لها تقريبا منذ سيطرة «حماس» على قطاع غزة في منتصف جوان 2007. وحتى المحاولات التي بذلها عباس لإصلاح خطإ تأجيل تقرير غولدستون لم تفلح ولم تؤدّ الى حالة الانفراج التي ينتظرها الجميع لأنه لم يعتذر عن هذا الخطأ بل سعى الى تبريره والى تحميل «حماس» مسؤولية كل ما يجري واتهامها مرة أخرى بالمماطلة والعمل على تقويض المصالحة، وهو الذي يعلم أنه بهذه الكلمات لن يزيد الوضع إلا تعقيدا، وهو الذي يعلم أيضا أن اسرائيل حريصة على استمرار حالة الانقسام الفلسطيني وعلى إضعاف «حماس» عبر دعم سلطته وإسنادها بكل الأشكال، وهو الذي يدرك أن سلطته ضيّعت فرصة تاريخية لإدانة اسرائيل ومحاسبة مجرميها بعد أن أدانها المجتمع الدولي لأول مرة، وهذه سابقة في تاريخ النضال الفلسطيني، أي أن يظهر فريق فلسطيني يوفر الحماية للاحتلال وينقذه من إدانة المجتمع الدولي. والآن يبدو السؤال الأكثر إلحاحا على الساحة الفلسطينية: لمصلحة من هذا التأجيل المتكرر لتوقيع اتفاق المصالحة؟ ولئن كانت الاجابة معروفة ومحسومة فإن المواطن الفلسطيني لا يمكن أن يفهم من المماطلة في الحوار ورفض المصالحة وكل هذه التأجيلات سوى إصرار على تكريس الانقسام وهو ما لا يخدم قضية هذا الشعب بل سيسهّل على أعدائه تنفيذ مؤامرة تضييع حقوقه العادلة.