تقول أسطورة يونانية أن هناك اله غضب على أهل الارض فأخذ منهم السعادة والمال والجاه والأمل لكن آلهة عصت أمره فسرقت كل هذه المفاهيم وأعادتها الى أهل الارض غير أن الإله اكتشف امرها فلم تستطيع رميَ الأمل الى الارض وبقي الامل معلّقا في السماء. ذهبت هذه الاسطورة مثلا، وبقي الناس في أصعب حالاتهم يتعلّقون بالأمل وينتظرون خيط النجاة. هو ذاك انه الامل الذي حرّك الناس ويدفعهم دائما الى الاحساس بأن القادم أفضل. وعل هذا الاساس يتركّز عمل العرّافين الذين يلعبون على المشاعر والاحاسيس ويتنبّأون لعباد الله بمستقبلهم وما سيطرأ عليهم في قادم الأيام. وأحيانا تتجاوز العرافة أو العراف كونه مجرّد قارئ كفّ او فنجان ليتعداه الى دور المستشار ويصبح صاحب الحل والعقد في مشاغل الناسالذين يؤمنون به. ويزدهر عمل العرافين في فصل الصيف خاصة لأنه فصل النجاحات في الباكالوريا والتاسعةأساسي وهو كذلك فصل الاعراس، حيث تبحث الفتيات ممن فاتهن قطار الزواج او يكاد عن خيط ولو رفيع من الأمل. في التحقيق التالي استطلاع لرأي بعض الشباب حول هذه «المهنة» بالاضافة الى رأي علماء النفس في الموضوع. عرّافة تكشف الطالع، تقرأ الكف وتتنبأ بالمستقبل ويثق بها الكثيرون لكن مريم (طالبة) لا تثق بالعرافات ولا تؤمن بهن انما هي كما تقول تؤمن بالله فقط وتعرف ان المقدّر من الله لابد أن يقع. سلوى (طالبة) هي أيضا لا تؤمن بالتنجيم واستطلاع المستقبل وتقول: «ما أدراهم هم بعلم الغيب، أنا لا أؤمن الا بقضاء الله وأعتبر ان كل ما يقولونه ترّهات لا طائل منها». سحر عالم التنجيم امتد كذلك الى الفئة المثقّفة وان كانت اقل تأثرا بالمنجّمين والعرافين، حيث أننا نلاحظ ان اوّل ما يقرأه الناس في الجرائد على مختلف مستوياتهم العلمية صفحة الحظ، ومع ذلك عندما يسألون عن رأيهم بالتنجيم والعرافين يدّعون عدم الايمان بهم. لكن مراد (طالب) الذي كان يمسك بيده صحيفة كما قال قرأ فيها حظه، اعترف بأنه يقرأ حظه في الجريدة تقريبا كل يوم وأحيانا تصادفه اشياء تتطابق مع حظه غير أنه أكّد أن هذا لا يعني انه يؤمن بالعرافين ويثق بكلامهم كل الثقة. يبدو أن ازدهار التكنولوجيا والتقدم العلمي وانتشار التعليم في كل الاوساط لم يمنع في المقابل من انتشار الاعلانات الخاصة بالمنجمين في جل الصحف والمجلاّت والقنوات التلفزيونية، مما يدلّ على تكاثر هؤلاء وازدهار «مهنتهم» أو بالاحرى دجلهم، حيث اصبح لديهم مكاتب قارّة واجهزة حديثة وسكرتير خاص واصبح الذهاب إليهم بالموعد وتعريفة قارة لا تقل عن خمسة عشرة دينارا، هذا عدا مصاريف ما سيقدّمه العراف ما يعتبره دواء لازالة السحر او التابعة وازالة العراقيل وتسهيل امور الحياة. وقد كان صابر (موظف) أحد ضحايا هؤلاء وكانت له تجربة معهم إذ أنه يحسّ دائما بأن لديه عراقيل وأن كل مشروع يحاول القيام به لا يتم فنصحه بعض الاهل بالتوجيه الى عرافات فربّما تكون لديه التابعة او سحر من بعض الحساد. يقول صابر: «لم أرفض الفكرة، بل توجهت الى عراف مشهور يدّعي انه يعالج بالقرآن وحكيت له عن وضعي. فجعل يعدني ويبتز مالي خصوصا وأنه كان يطلب مبالغ كبيرة، لكني لم أشعر أنه غيّر شيئا في حياتي فسئمت الموضوع، وأيقنت بأن الايمان بالله هو وحده الكفيل بمساعدة المرء وتوفيقه في عمله». لئن اكتشف صابر خداع هذا العرّاف وزيفه فان بعض الناس لا يتعلّمون من الدرس الاول بل يتمادون ويسيرون في رحلة بحث ليتنقّلوا من عرّاف الى آخر عساهم يجدون الحل الشافي لمشاكلهم، ويظل العرافون يزرعون في مخيلاتهم الاوهام. يؤكّد الطب النفسي على وهميّة وخرافية مسألة التنجيم والعلم بالغيب فقد أكّد دكتور علم النفس السيد «لطفي البوغانمي» أن هذه التصرفات تندرج ضمن ما يسمى بالتفكير الخرافي حيث انه من الناحية النفسية عند الطفل في مرحلة التكوين يكون الفكر الخرافي موجود عند الطفل وعند ما ينمو ذلك الطفل وتحصل له مشاكل وصدمات نفسية يعود الى الفكر الخرافي. لكن بالاضافة الى الصدمات النفسية هناك نوع من الناس مصابون بنوع من الوسواس القهري يؤمنون بالفكر الخرافي. كذلك يؤكّد الدكتور البوغانمي على أن التوجيه الى العرافين هو أيضا من قبيل البحث عن الحلول لأن العلم يعجز في بعض الاوقات عن مداواة بعض الأمراض ويلجأ الناس الى المنجمين للوصول الى حل للمشكلة بأي ثمن. كما أن التوجه الى معرفة ما بالغيب يعود سببه الى الخوف من المجهول فهو يعتبر وسيلة دفاعية ضد الخوف». من الأكيد أن عالم التنجيم له سحر خاص يستهوي جميع الفئات العمريّة والثقافية ويمثّل املا لليائسين، لكنه في المقابل يبعد الناس عن الاسباب الحقيقية لمشاكلهم ويسجنون في دائرة من الوهم والاباطيل.