ظل عاطلا لسنوات... فحاول ايجاد مخرج لأزمته بخلق عمل من العدم. قادته خطاه في ذاك اليوم الى مقر مكتب البريد في مدينته الصغيرة في احدى مناطق الشمال الغربي وهناك التقط بطل هذه الحكاية مشهدا حوّله الى مورد رزق يقتات منه. في ذاك اليوم عرف صاحب الاربعين سنة أن أغلب المقبلين على مكتب البريد أميّون يحتاجون العون لقضاء شؤونهم البريدية مثل تعمير البطاقات او كتابة المراسلات، كما عرف ان الانتظار المطوّل في مكتب البريد يقود الكثيرين الى الغضب والتوتر ومحاولة ايجاد حلّ لكسر ضغط الانتظار... فلم يتردد في سدّ ذلك الفراغ. ويستمر منذ ذلك اليوم في تردده على مكتب البريد يكتب للأميين ويأخذ أرقاما للانتظار يبيعها في ما بعد لمن ملّوا الانتظار... ب500مي فقط للرقم الواحد. تحولت حكاية هذا الرجل الى مزحة يتندّر بها البعض من أهل مدينته... ويستشهدون بها للقول إن الخدمات الادارية اليومية والموجهة للمواطن توفر من الفراغ والسلبيات ما يكفي لمثل هذه التدخلات. طول الانتظار وبشاشة الموظف زياد أحد أبناء مدينته طالب اختتم دروسه الجامعية هذا العام، أبدى انبهاره بنشاط الرجل، قائلا: «أراه كلّما زرت مكتب البريد او بلدية المدينة... يكتب للأميين ويزوّد المنتظرين بأرقام بديلة تخفف عنهم طول الانتظار». ويبتسم محدثنا مطولا قبل ان يضيف انه ذات يوم حضر الى البلدية للتعريف بالامضاء... وهناك وقف مطوّلا لينتظر وصول رقمه... «وكم تمنيت يومها ان أقتني من ابن المدينة رقما بديلا يعوضني عن ذاك الانتظار لكن خانني فراغ الجيب يومها» حسب قوله. ويرى محدثنا ان مستوى الخدمات الادارية يضمّ من السلبيات ما يكفي لبروز مثل هذه التدخلات. يقول: «الخدمات الادارية اليومية ما تزال دون المطلوب ولا تحترم المواطن اذ أن توقيع او قضاء شأن ما، لا تستغرق عمليته سوى ثلاثة دقائق يحتاج الى انتظار لحوالي ساعة او أكثر». كما يقول: «بعد ضغط الانتظار يتقدم المواطن الى الموظف الاداري فيستقبله بازدراء و«يكش عليه»...مشيرا الى ان موظفة بإحدى مكاتب البريد سألته يوما بسخرية وتهكم وهو يمدّها بأوراق مالية لارسالها في حوالة «أين كنت تخفي هذه الاوراق لماذا هي مطوية بهذا الشكل؟». وأوضح انه شعر يومها بالاهانة فلم يتردد برفع الامر الى المسؤول الاول في مكتب البريد حينها تدخل هذا الاخير بالحسنى وقال له «ربّي يهديها» فهل هكذا تصان كرامة المواطن الحريف؟ الأكتاف والمعاملات الشخصية الى جانب طول الانتظار وعدم بشاشة الموظف المبالغ فيها ذكر عصام ان معاملات الاكتاف والمعارف سلوك آخر بدأ يطغى على الخدمات الادارية الموجهة للمواطن... فتتدخل الاكتاف في تفاصيل صغيرة مثل إسناد الاولوية لقضاء شأن هذا أو ذاك وان كان على حساب بقية المنتظرين... مشيرا وهو يضحك الى ان هذا الداء لا شفاء منه لأنه متكرر ولأنه نابع بالأساس من عقلية لا يمكن للمراقبة اقتلاعها. وترى بشرى ان احتجاج المواطن في حال ضبط مثل هذا التجاوز يبقى الحل الافضل للحد من مثل هذه السلوكات ولردّ موظفي الشبابيك الى طريق ضرورة احترام المواطن والغاء كل معاملات المعارف والاكتاف... تقول «هذا ليس دور المراقبة بل دور المواطن في المطالبة بحقه في الحصول على الخدمة المطلوبة كما يجب وبأن الموظف الجالس وراء الشبّاك هو في خدمة الجميع وليس في خدمة أصدقائه ومعارفه». وتؤكد بشرى على أن تهيئة الانسان ستعلّم الموظف احترام المواطن وستعلّم المواطن المطالبة بحقه... من أجل تحسين الخدمات الادارية. الخدمات الالكترونية المطالبة بضرورة احترام المواطن «المنتظر» وعدم تبجيل المعارف عليه كانت محور خصومة نشبت مساء أول أمس الثلاثاء في مقر مكتب بلدية نهج أثينا بالعاصمة... أين تعمّد أحد الموظفين قضاء شأن صديق له بدعوى أنه زميل له في نفس الوزارة ولا يستطيع ان يظل منتظرا دوره بين صفوف المنتظرين... تصدّت له احدى المنتظرات مطالبة بقضاء شأنها هي الاخرى وبأسرع وقت ممكن تماما كما تم قضاء شأن الصديق احتراما لانتظارها وانتظار الآخرين. احتجّت مسنودة بعدد من المنتظرين فما كان من الموظف سوى اهانتها وإهانة آخرين أرادوا تهدئة الخصومة. كثيرون أبدوا تململهم من تكرار مثل هذه المواقف لتستمر المعاملات الشخصية رغما عن أنف المواطن. يقول رؤوف (موظف بإحدى المؤسسات المالية) إن صداقاته تسهّل عليه غالبا قضاء شؤونه الادارية. كما لاحظ رؤوف ان استخدام الشبكات الالكترونية والاعلامية في الخدمات الادارية عطلت او أثقلت جودة الخدمات لأن الأيادي المستخدمة لم تتغيّر رغم تحديث الادارة... مبرزا ان مركز الفحص الفني بلافيات ما يزال منذ يومين يلفظ حرفاءه لأن شبكته الالكترونية معطلة. من جهتها قالت بشرى إن الخدمات الالكترونية عقّدت جودة الخدمات... لأنه يتم استخدامها بعقلية عمل لم تتغيّر بعد لدى الموظف التونسي.