تحتفل تونس اليوم بالذكرى الثانية والعشرين لتحول السابع من نوفمبر الذي مثّل محطة مهمّة في تاريخ تونس الحديث ليس فقط لانه انقذ البلاد والعباد من شفا الافلاس والسقوط في غياهب المجهول والمخاطر، بل وأيضا وأساسا لأنه جاء بمشروع اصلاحي وتحديثي رائد أرسى دعائم تنمية شاملة وخلق تجربة تنموية متفرّدة في محيطها قامت على مقاربات وطنية اعتمدت سياسة استشرافية وآمنت بالتشاور والوفاق الوطني. واذا كانت فترة عشرين عاما وأكثر لا تقاس في حياة الشعوب والدول فانها في تونس حققت نقلة نوعية للبلاد انقذتها من دولة على أبواب الافلاس والانهيار الاقتصادي الى دولة صاعدة تتجه بثبات الى مصاف الدول المتقدمة والمتطوّرة. وتؤكد شهادات وكالات التصنيف والترقيم الدولية وتقارير المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية والتي تتميّز بفضل خبراتها ومصداقيتها العلمية والسياسية ان الأنموذج التونسي في العشريتين هو الأفضل والأنجع وهو ما ضمن نموا متسارعا ومتواصلا واستقرارا سياسيا واجتماعيا ورفاها واضحا لدى كل الفئات الاجتماعية ببروز طبقة وسطى متوسعة تضم قرابة 80% من التونسيين وتراجع الفقر الى ادنى النسب (اقل من 4%). ومن مميزات منوال التنمية المعتمد في تونس منذ التحول أن تحرير الاقتصاد وتشجيع المبادرة الفردية والانفتاح على الخارج لم يكن هدفا في حد ذاته بل انه كان قاعدة لتحقيق تنمية شاملة وعادلة تطال ثمارها كل الفئات والجهات. ولعل ابرز شواهد نجاح منوال التنمية وصحة المقاربات الاقتصادية التونسية التوفق في احراز نمو الناتج المحلي الاجمالي بصفة ملحوظة وتضاعفه اكثر من 6 مرات بين 1986 و 2008 وبلوغ نسب نمو مرتفعة بمعدل 4.6% سنويا بالأسعار القارة خلال الفترة 2002-2008 رغم أن البلاد مرّت خلالها بعديد الصعوبات الخارجية والداخلية التي قلّصت نسق النمو لعل ابرزها تتالي سنوات الجفاف وانعكاسات احداث 11 سبتمبر وحرب الخليج الثانية ثم الأزمة الاقتصادية العالمية. شهادات وكانت وكالات التصنيف والترقيم الدولية وضعت تونس بين البلدان العشرة الأولى التي توفقت في مواجهة انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية اذ حلّت في المرتبة السادسة وهو ما يؤكد صلابة اقتصادها ونجاح الاجراءات والقرارات الرئيسية التي تم اتخاذها ومن ابرزها بعث لجنة وطنية للمتابعة وتطوير استثمارات التنمية المدرجة في ميزانية الدولة والزيادة في حجم الاستمثارات الخاصة بالبيئة الأساسية. رفاه ومكّن النماء الاقتصادي من تحسين مؤشرات رفاه التونسيين وحقق نقلة نوعية في نمط عيشهم تجلى من خلال تضاعف الدخل اكثر من 5 مرات منذ 1987 وتراجع نسبة الفقر الى 3.8% بعدما كانت قبل التحول في حدود 7.7%. كما ارتفعت نسبة الأسر المالكة لمساكنها 80% , وتراجعت نسب المساكن البدائية من 7.5% الى 0.5% فقط. هذه المؤشرات المضيئة رافقها تطوّر كبير جدا في درجات الرفاه الأخرى ومنها نسب امتلاك العائلات للسيارة وللحواسيب وانتشار الهواتف الجوّالة واستعمال الانترنات ... هذا الرفاه كان ناتجا ايضا عن ارتفاع عدد السكان النشيطين من قرابة المليونين سنة 1984 الى قرابة 4 ملايين الآن وهو ارتفاع نتج ايضا عن ارتفاع مواطن الشغل المحدثة من معدّل 41500 سنويا قبيل التغيير الى 75 الفا حاليا. هذا الارتفاع كان حصيلة الاهتمام الرئاسي الخاص بهذا الملف وجعله في طليعة الأولويات وافراده لعديد الاَليات والبرامج يسرت ادماج طالبي الشغل وخاصة حاملي شهائد التعليم العالي وخريجي التكوين المهني من ذوي المهارات والكفاءة. تنمية سياسية بالتوازي مع النجاحات الاقتصادية والاجتماعية عرفت التجربة التنموية في تونس تنمية سياسية مهمة انتصرت لقيم الحرية والحداثة والحوار وحقوق الانسان والتضامن والاعتدال التي تحوّلت الى قيم دستورية وكانت ركيزة لوفاق اجتماعي وسياسي يتواصل ويتدعم منذ عقدين. وتوفقت تونس في اعلاء بناء الديمقراطية وصرح التعددية وتجسيمها في المشهد السياسي الوطني وفي كل الهياكل المنتخبة والاستشارية وبالتالي القطع مع ما كان سائدا من فكر واحد وخيار أوحد في اتجاه اقرار التنافس على البرامج وتوسيع فرص الاختيار أمام المواطن وتيسير عمل الأحزاب والجمعيات مع مراعاة الوفاق والتشاور عند اتخاذ القرارات الوطنية الهامة والمصيرية من خلال تشريك الأحزاب وممثلي المجتمع المدني والكفاءات الوطنية في رسم الخيارات والتوجهات الكبرى الشباب والمرأة وراهنت تونس على الشباب والمرأة في كل المجالات وأساسا من خلال توسيع مشاركتها في الهياكل وتقريبها من مواقع اتخاذ القرار من ذلك ان نسبة المرأة في مواقع القرار ستصل الى 35%. كما توسع حضور الشباب في الأحزاب وأساسا الحزب الحاكم وفي البرلمان اضافة الى احداث برلمان للشباب ضمن برنامج الرئيس بن علي لرفع التحديات سيكون ذا صبغة استشارية ليكون فضاء دائما مع هذه الفئة الهامة حول شواغلها وتطلعاتها. مكاسب متواصلة واذا كان من حق التونسيين ان يفاخروا بالمكاسب المحققة خلال العقدين الأخيرين والتي أشاد بها العالم وتحوّلت الى نموذج يحتذى فان المسؤولين يؤكدون دائما أن التجربة لم تكتمل وأن الميزة متواصلة وهو ما يقتضي من الجميع مزيد المثابرة والعمل ومضاعفة المجهود لرفع كل التحديات.