وسط زخم هذه المباراة التي تجاوزت كرة القدم يقف رجلان في مفترق طرق وهما حسن شحاتة ورابح سعدان، فقد يرفع أحدهما على الأعناق ويصبح رمزا وطنيا فيما سيخرج الآخر من أضيق أبواب التاريخ متحملا مسؤولية نكسة جيل كامل. حسن شحاتة ربّان سفينة الفراعنة رجل يتمتع بشخصية قيادية وكاريزما فاقت كل التوقعات استمدها من تجربة ودراية بمهنة صال وجال فيها كلاعب عندما التحق بالزمالك سنة 1966 ثم انضم إلى نادي كاظمة الكويتي سنة 1968 يحمل في سجله 70 مباراة دولية ولقب أحسن لاعب في آسيا سنة 1971 ولقب أحسن لاعب في إفريقيا سنة 1974. هذا الطالب المتخرّج من مدرسة صلاح سالم التجارية، يعلم أنه وسط بحر متلاطم الأمواج، لا يرحم أحدا وقد يغرقه كما أغرق سلفه الإيطالي مازكوتارديلي... وسط دهاليز مهنة التدريب التي لا حصر لها تسلّح بتجربة في مجال الإشراف الفنّي تغني عن كل تعليق، حيث بدأ مشواره كمدرب في نفس المكان الذي بدأ فيه كلاعب سنة 1984 و1985 وعندما قاد فريق الزمالك تحت 19 عاما، ثم مساعدا للمدرب الأول اليوغسلافي ننكوفتش سنة 1986. إنجازاته كمدرب تشهد على إتقان الرجل لمهنة أسقطت أساتذة التدريب بالضربة القاضية فقد صعد مع العديد من الأندية للدوري المصري الممتاز منها المنيا والشرقية والسويس والمقاولون العرب، وخطف لقب بطولة إفريقيا للشباب مع الفراعنة الشبان سنة 2003 وواصل رعاية ذلك الجيل وأفرغ فيه عصارة فكره التدريبي ليتولى الإشراف على حظوظ المنتخب الأول منذ 2005 وفاز معه ببطولة إفريقيا للأمم سنة 2006 وعاود الكرّة سنة 2008 وبينهما فوز بدورة الألعاب العربية سنة 2007، ليبصم على حنكته بوجه مشرّف للمصريين في كأس القارات الأخيرة حيث أركع الطليان وأحرج البرازيليين وجعل العالم يهلّل بترشح مصر للمونديال. كلّ هذا لم يشفع للمعلّم حيث كان مستهدفا على الدوام يتأهب لانقلاب من قبل أعداء اعتادوا التربص به وعندما لم ينجحوا حاولوا تفريغ إنجازاته من مضمونها ونسبوها للظروف والبركة والحظ لكنه صمد بفضل قوّة الشخصية وحارب الجميع عندما أعلنها صراحة «لا أعرف الخوف ولن أستقيل إذا لم نصل إلى المونديال»... الهادئ.. الثائر على الطرف الآخر من المواجهة يقف «الشيخ» رابح سعدان قائد منتخب محاربي الصحراء أو «الفنك» وهو مقدم على خوض المباراة الأصعب في تاريخه التدريبي الطويل، كيف لا وهو يحمل امال شعب جزائري لا يرى من الدنيا عاليا غير العلم الأخضر والأبيض والنجمة والهلال الحمروان في محاولة للنهوض من تحت ركام التاريخ الكروي الذي ألقى بهم على هامش تصنيف اللعبة في العقدين الأخيرين ومحاولة إيجاد فرصة للتنفس والفرحة، قبل الانفجار والثورة على كل شيء. وسط هذه الأجواء يبدو الشيخ واثقا ممّا يفعله مستندا إلى تجربة سابقة على رأس المنتخب الجزائري في مونديال المكسيك 1986 وتواصل الصمود في منصبه إلى سنة 1990 ليفسح المجال لعبد المجيد كرمالي. يعرفُ بالرصانة والهدوء الكبيرين منذ أن كان طالبا في مدرسة رضا رحو بقسنطينة التي تحصّل فيها على الدكتوراه بعد أن قضى فترة الطفولة في مدينة باتنة مسقط رأسه بتاريخ 3 ماي 1946. بعد تلك التجربة مع المنتخب الوطني، انتقل إلى تدريب فريق الرجاء البيضاوي المغربي حيث تحصل معه على كأس إفريقيا للأندية البطلة موسم 19891990 على حساب مولدية وهرانالجزائري ثم تعددت مسيرته مع الأندية إلى أن عاد إلى تدريب المنتخب الجزائري في كأس إفريقيا للأمم بتونس 2004 عندما بلغ الدور ربع النهائي على حساب مصر ليمثل بذلك الدابة السوداء للكرة المصرية فهو يعرف كيف يتسلّق أعلى قمّة الأهرامات من دون أن يسقط. هذا الرجل الهادئ يتحول إلى ثائر بالمعنى الإيجابي عندما يتعلق الأمر بمنتخب بلاده حينها يحاول الاستثمار الروح القتالية للاعبين ينزلون أرضية الميدان «للحرب» حسب تعبير رفيق صايفي وقد استفاد هذه المرة من توفر الكرة الجزائرية على جيل جيّد من اللاعبين لم تحظ به الجزائر منذ الثمانينات في مقدمتهم لاعبين دربهم في وفاق سطيف موسم 20072008 عندما فاز بالبطولة العربية مع هذا الفريق والحديث هنا عن فوزي الشاوشي وعبد القادر العيفاوي وسليمان رحّو.. عاد في بداية سنة 2008 لتدريب المنتخب الجزائري ليلعب دور المنقذ لمنتخب تلاعبت به أيادي الأجانب ودخل غياهب النسيان وقد خلف الفرنسي جون ميشال كفالي. تصريحات سعدان الأخيرة تثبت أن الرجل الذي بكى ذات مرة في مؤتمر صحفي بسبب إخفاق المنتخب الجزائري ليس بذلك الضعف، وإنما ذلك يدخل في إطار مناورات وحرب استباقية لكل فيها حساباته الخاصة فقد صرّح في صمت كبير أنه لا يخشى المصريين حتى لو لم يلعب مكتمل الصفوف. تلك إذن حيثيات ومعطيات مواجهة الرجلين، تجمعهما الخبرة والرغبة في الفوز وسيفرقهما المصير بعد تسعين دقيقة.