شنّ الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز هجوما عنيفا على الرئيس الكولمبي ألفارو أوريبي، متهما إياه بالتآمر على فنزويلا وخدمة المشروع الأمريكي في أمريكا اللاتينية أو الباحة الخلفية للولايات المتحدة. من جهتها اتهمت بوغوتا النظام الفنزويلي بتسهيل عمليات تهريب الكوكايين عبر الحدود ودعم متمردي «فارك». ويأتي التصعيد بين البلدين بعد هدوء نسبي، لكن واقع الأمر أن التوتر ما أن ينتهي حتى يعود من جديد لسبب أو لآخر، ويكفي في كل الحالات أن عامل التوتر يبقى على الدوام بسبب توجهات النظامين وانتماء كل واحد منهما إلى معسكرين يختلفان عقيدة وفكرا. فهوغو شافيز المناوئ للولايات المتحدة مؤمن بشدة بإرادة الشعوب على التحرر من الامبريالية الأمريكية، والغربية، وزعيم تيار يناهض الخضوع لإرادة سيد البيت الأبيض في كل المجالات، يطمح لعلاقات جيدة على أساس العدالة لا على أساس التبعية. أما أوريبي فمحسوب على رجال الولاياتالمتحدة في أمريكا اللاتينية، شخصية لها وزنها وثقلها في المنطقة يؤمن بضرورة المصالحة والمصالح مع أمريكا، يحظى بدعم سيد البيت الأبيض وتربطه بالولاياتالمتحدة اتفاقيات اقتصادية وعسكرية، آخرها توسيع نفوذ وتحركات الجيش الأمريكي في بلاده وإقامة قواعد عسكرية بدعوى المساهمة في الحد من انتشار زراعة وتهريب الكوكايين.. وينظر الرئيس الفنزويلي لهذه الاتفاقيات والعلاقات بعين الريبة ويرى فيها تهديدا لأمن بلاده ولأمن واستقرار دول المنطقة. في أواخر الشهر الماضي اتهمت فنزويلا جهاز أمن الدولة في كولمبيا بالتجسس عليها، ومنتصف هذا الأسبوع وصف الرئيس الفنزويلي الاتفاق العسكري الأمريكي الكولمبي بالاتفاق الشيطاني، داعيا الشعب والجيش للاستعداد لحرب محتملة قد تشنها بوغوتا وواشنطن على فنزويلا. من جهته استهجن الرئيس الكولمبي ألفارو أوريبي الاتهامات الفنزويلية واعتبرها تصعيدا في غير محلّه، مبررا الاتفاق العسكري بالدواعي الأمنية والمساعدة على مكافحة تجارة المخدرات التي أنهكت البلاد. وآثر أوريبي التهدئة على التصعيد على اعتبار أن تصاعد التوتر القائم أصلا قد يضرّ بعلاقات البلدين وخاصة منها التجارية (تشير التقديرات إلى أن حجم التبادل التجاري بين كاراكاس وبوغوتا بلغ 7 مليارات دولار قبل تعليق العلاقات التجارية بينهما مطلع العام الحالي). الرئيس الفنزويلي المعروف بصراحته وانتقاداته العنيفة للنظام الكولمبي القائم، سبق له وأن وصف وزير الدفاع الكولمبي بالمختل عقليا لأنه اتهم فنزويلا بتسهيل عمليات تهريب الكوكاكين إلى بوغوتا، مشيرا إلى أن نظام أوريبي يعتمد في إدارة البلاد على أشخاص مختلين عقليا. واللافت أن التصعيد بين البلدين اللذين يجمعهما تاريخ ولغة ومصالح مشتركة، ليس بالجديد، وإنما يتصاعد من حين إلى آخر. قبل فترة أقدم الرئيس الكولمبي ألفارو أوريبي على سحب البساط من تحت أقدام شافيز حين دخل على خط أزمة الرهائن لدى الحركة الماركسية «المتمردة» المعروفة اختصارا ب«فارك» والمناهضة لأوريبي، خطوة أدت إلى تأزم العلاقات، قابلتها كاراكاس بخفض مستوى العلاقات بين البلدين وتعليق الاتفاقيات التجارية. ويعتقد الرئيس الفنزويلي أن «طعنة» أوريبي جاءت بأمر أمريكي، فيما نفت بوغوتا الاتهامات. ويرى شافيز الشخصية اليسارية الأكثر شعبية في دول أمريكا اللاتينية أن أوريبي خادم مطيع للولايات المتحدة وأنه ضالع في المؤامرات التي تحاك ضد دول المنطقة، وأنه يد واشنطن في المنطقة لسحق الحركة الاشتراكية البوليفارية. وفي الوقت الذي يعمل فيه هوغو شافيز المناصر للقضايا العربية، على إقامة حلف مناوئ للأطماع والطموحات الأمريكية، يتجه أوريبي المحسوب على معسكر اليمين الغربي، إلى تعزيز علاقاته مع واشنطن وفتح أبواب الباحة الخلفية للبيت الأبيض في المنطقة. نسبت إليه المفوضية الأخلاقية الدولية (المكونة من شخصيات دولية من المجتمع المدني) ارتكاب جرائم بحق الإنسانية في بلاده وقمع معارضيه وتنفيذ عمليات اغتيال واعدامات من دون محاكمة، لكن الرجل الذي اهتزّ «عرشه» في أكثر من مناسبة لا يزال ممسكا بزمام الأمور، مراهنا بحسب منتقديه على الدعم الأمريكي.