معهد باستور: تسجيل حالة وفاة و4 اصابات بداء الكلب منذ بداية 2024    المدير العام للديوانة في زيارة تفقد لتطاوين    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    إجراء أول اختبار لدواء يتصدى لعدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    ماكرون: هناك احتمال أن تموت أوروبا    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بمحافظ البنك المركزي..    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تكريم فريق مولودية بوسالم للكرة الطائرة بعد بلوغه الدور النهائي لبطولة إفريقيا للأندية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    رئيس الجمهورية يتسلّم أوراق اعتماد سفير تونس باندونيسيا    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    عاجل: غرق مركب صيد على متنه بحّارة في المهدية..    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«علوش» العيد بين ثلاثية الانتاج - السوق - المستهلك: من يهدئ نار الأسعار؟
نشر في الشروق يوم 17 - 11 - 2009

يتصدر «علوش عيد الاضحى المبارك، اهتمامات المواطن التونسي المتمسك في الاغلب الأعم بالقيام بسنة التضحية وعلى غرار الأعياد السابقة بل كل المواسم الاستهلاكية تتشكل في الأذهان أسواق - افتراضية .. بكل مقوماتها من عرض وطلب ومستوى اسعار وذلك قبل ان تتشكل السوق الحقيقية.
وتتغذى السوق الافتراضية.. بما تحاول بعض الأطراف ترويجه مع سبق الاضمار حتى تجد الأرضية خصبة لتحقيق مصالحها الاَنية في حين تساهم بعض الاطراف كانت الأخرى سواء من عموم المواطنين او وسائل الاعلام في تغذية هذه السوق في شكلها الافتراضي «عن حسن نية».
«الشروق» بادرت باستدعاء مختلف الاطراف ذات الصلة المباشرة بواقع الانتاج سواء في المهنة أو الادارة فضلا عن سلطة الاشراف على القطاع التجاري والرقابي اضافة الى المعهد الوطني للاستهلاك ومنظمة الدفاع عن المستهلك حتى تتبين لنا ملامح ومعالم السوق الحقيقية من خلال التحاور حول الانتاج وكلفته والمتوفرات وحقيقة العرض ومسالك التوزيع وسلوك المستهلك.
كما حضر ندوة «الشروق» مختصان في المسألتين الدينية والصحية حتى يضعا نقاط الضوابط الشرعية والصحية على حروف اختياراتنا الاستهلاكية.
وفي ما يلي السادة والسيدة المشاركون في الندوة
علي الغربي مدير عام المعهد الوطني للاستهلاك
سيد فليج مدير عام ديوان تربية الماشية
فتحي الفضلي مدير المراقبة الاقتصادية بوزارة التجارة والصناعات التقليدية
كريم داود عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين وعضو مجلس المستشارين
ايوب الأصرم كاتب عام جامعة تربية الماشية
محسن الخبثاني، عضو المكتب التنفيذي الوطني لمنظمة الدفاع عن المستهلك
الشيخ احمد الغربي امام خطيب
الدكتورة : منيرة المصمودي النابلي متفقدة مركزية بوزارة الصحة العمومية
* اعداد عبد السلام الزبيدي - نزيهة بوسعيدي تصوير طارق سلتان
* الشيخ أحمد الغربي (إمام خطيب): «الأضحية« سُنّة مؤكدة في حق من لا يحتاج الى ثمنها طيلة عام
إن الدين الاسلامي هو خاتم الاديان وهو مبنيّ على اليسر وليس على العسر، والآيات القرآنية والاحاديث النبوية الدالّة على هذا المعنى كثيرة وهدفها تحقيق هذا المقصد السامي.
ومن بين هذه الآيات قوله تعالى: {ما جعل عليكم في الدّين من حرج} و{يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر}، ومن بين الاحاديث النبوية ما روته السيدة عائشة أم المؤمنين: «ما خُيّر رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما»، وكذلك الحديث الذي أكد «إن هذا الدّين متين فأوغلوا فيه برفق». وعلى هذا الاساس علينا الوعي بأن من يشقّ على نفسه يشق الله عليه ولنا في بني اسرائيل وما جرى لهم مع «البقرة» دليل واضح وساطع.
الحكم الشرعي
وفي ما يتعلق بحكم الاضحية كما ورد في سؤالكم فإنها سنّة مؤكدة وليست واجبا، وعلى المسلمين التفريق بين السنّة والواجب أو الفرض. فالواجب يُجازى المرء على فعله ويحاسب على تركه، أما السنّة سواء كانت مؤكدة أولا فإن من فعلها أو أتاها يثاب ومن تركها فلا شيء عليه.
والاضحية سنّة نتّبعها اقتداء بسيدنا ابراهيم عليه السلام عندما ابتُلي في ابنه وجدّنا اسماعيل عليه السلام، حيث أطاع الأب الله وتلّ ابنه على جبينه وكاد أن يذبحه ففداه الله بكبش عظيم...
والاضحية سنّة سنّها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للقادر عليها، فالله عز وجل قال: {لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها} وقال أيضا: {اتقوا الله ما استطعتم}، ذلك أن التكاليف الشرعية دون استثناء نأتيها ونؤديها حسب الاستطاعة والقدرة والطاقة.
وباعتبار أننا في تونس نقتدي بالإمام مالك، أود أن أشير الى أنه (الإمام مالك) يشترط في الشخص العازم علىالقيام بهذه السنّة أن يكون قادرا، والقادر عنده هو من يملك قوت عامه، وعند عدم تحقق هذا الشرط لا تصح هذه السنّة في حقه. واسمحوا لي في هذا الباب بالتأكيد على أن خطابنا الديني في تونس متطور ويتماشى مع الحياة اليومية للانسان وهو ليس في قطيعة معها. ومعنى أن يملك المواطن قوت عامه أي عنده ما يكفيه ولا يحتاج الى ثمن الاضحية أثناء العام، فإذا تيقّن من أنه يحتاج الى ثمنها لا تصح الأضحية في حقه.
العادة غلبت العبادة
فالدّين الاسلامي لا يريد إدخال المسلم في دائرة العنت والمشقة، بل إن إدخال النفس في المشقة ضد الدّين ومخالف لأحكامه، لكن المشكلة عندنا هي أن «العادة قد غلبت العبادة»، فالعادة أصبحت تتحكم فينا وصرنا خاضعين للأهواء والنزوات والشهوات وليس لأوامر الدين. كما أن مجاراة المرء للجيران والاقارب زادت في تكريس هذه العقلية التي لا صلة لها بتعاليم الاسلام السمحة.
لقد ذبح الرسول صلى الله عليه وسلم كبشين أملحين أقرنين وقال: «هذا عنّي وهذا عن أمتي» أي أن رسول الله قد ذبح (قدّم أضحية) عن الفقير والمسكين وغير القادر، ونحن لا نريد حرمان أي مسلم من تقديم أضحية لكننا نريد أن ننير له السبيل وأن نوضح له أنه اذا كان عاجزا عن دفع ثمنها فإنه ينبغي عليه عدم تحميل نفسه فوق طاقتها خاصة أن رسولنا الكريم قد ضحّى عنه، فالاضحية هي للقادر عليها، أما غير القادر فعليه الابتعاد عن دائرة العنت والمشقة.
ومما يؤكد وجاهة ما ذكرناه أن سيدنا أبابكر الصديق وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كانا لا يضحيان في عديد الاعياد حتى لا يظن أي مسلم أن الاضحية واجبة، ومن هنا نقف على مدى اتساع نظر هذين الاميرين الجليلين. بالاضافة الى هذا الموقف فإن ابن عباس حبْر الأمة وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث الخادم ببعض الدراهم المعدودة لشراء اللحم ويوصيه بأن يقول لمن يعترضه في الطريق «هذه أضحية ابن عباس».
وردا على السؤال حول الاشتراك في الاضحية، فإنه يمكن للأب والابن إن كانا تحت سقف واحد الاشتراك في الاضحية وذلك باب من أبواب التيسير. وللفقهاء أقوال تفصيلية في باب المشاركة في الاضحية حسب نوعيتها (الخرفان البقر الإبل...). أما في ما يتعلق بشرط السن بالنسبة الى الاضحية، فإنه لا تجوز التضحية بالضأن (العلوش)، إذا كان سنّه أقل من 6 أشهر (أقل من 6 أشهر غير مُجز)، ومن الماعز ينبغي أن يكون سنّه عاما فما فوق والبقر 3 سنوات فما فوق والابل من 5 سنوات فما فوق.
* السيد علي الغربي (مدير عام المعهد الوطني للاستهلاك): المستهلك نجح في السنوات الخمس الماضية في فرض منطقه الخاص على السوق
لا يسعني في البداية إلا التنويه بهذه المبادرة، واسمحوا لي بالقول ردا على ما ورد في سؤالكم حول الثقافة الاستهلاكية للمواطن التونسي أن المواطن التونسي اكتسب ثقافة استهلاكية تؤهله لحسن الاختيار والتصرّف وفق امكانياته ومقدرته الشرائية من ناحية ووفق ما هو متوفر ومتاح في السوق من ناحية ثانية.
والمعهد الوطني للاستهلاك سوف يأخذ هذا المعطى الهام بعين الاعتبار في مختلف أعماله من دراسات وبحوث واستبيانات وغيرها كما أنه سيعمل على تنمية هذه الثقافة الاستهلاكية بكل تأكيد حتى يتمكن المستهلك من تأسيس الاختيارات على معطيات واضحة ومواصفات موضوعية ولا تكون بعض سلوكياته سببا في التأثير سلبا على مصلحته، من ذلك ان بعض آراء أو اختيارات الأبناء والزوجة قد تؤثر على سعر الخروف مما يجعل المستهلك يدفع ثمن «جمالية العلوش» إضافة إلى ثمن العلوش ذاته.
العرض والطلب
ما يمكنني التأكيد عليه بكل ثقة هو أن المستهلك التونسي نجح في أن يفرض على السوق منطقه الخاص أي منطق الطلب، وهذا ما سأعود إليه لاحقا.
السوق له عاملان محدّدان هما العرض الذي وراءه الانتاج ومكوناته إضافة إلى الطلب، وكما هو معلوم فإن كل سلوكيات مفترضة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار هذا المسار، وبعبارات أخرى علينا أن نبحث في السّبل والطرق التي نتمكّن من خلالها من حسن استغلال المتوفرات من الأضاحي لخدمة الطلب دون المساس بمصلحة مختلف الأطراف سواء كان هذا الطرف منتجا أو تاجرا أو مستهلكا.
وتفاعلا مع ما قيل عن وجود «مشكل نقص في النعاج» أودّ التذكير بمعطى إحصائي يعلمه كل المختصين والخبراء من إدارة ومهنة وهو أنه لنا الآن 4 ملايين و400 ألف نعجة مقابل 3 ملايين و700 ألف نعجة سنة 1985 مما يؤكد أن القطيع يتطور بفضل تطوّر عدد الأمهات وعديد العوامل الأخرى. كما أنه علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن التطوّر في الطلب ليس ناتجا عن الطلبات الإضافية نتيجة الزيادة في عدد السكان والسياح فقط وإنما ناتج كذلك عن تطور أنماط الاستهلاك.
والمنطق الاقتصادي يفرض علينا التأكيد على أنه لدينا تقديرات حول الانتاج ولنا مليونان و500 ألف أسرة من المفترض أن تقوم بالشعيرة الدينية (التضحية)، لكن الواقع أثبت أن حوالي 50 بالمائة من العائلات التونسية لا تقوم بهذه الشعيرة مما يجعلنا مطالبين نظريا بتوفير مليون و250 ألف أضحية.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن حوالي 300 ألف عائلة توفر متطلباتها من الأضاحي ذاتيا (استهلاك ذاتي) في حين تؤكد المصادر المسؤولة أن عدد الأضاحي المتوفرة في حدود 780 ألفا، فإنه من المشروع التساؤل عما إذا كان هذا الفارق هو السبب في الحديث عن الغلاء أم أن سلوكيات السوق هي السبب في ذاك.
لكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذا المشهد للسوق ليس خاصا بتونس ونظرة سريعة وبسيطة لأسواق الأضاحي بالدول المغاربية والعربية والخليجية تجعلنا متيقنين بأن الوضع عندنا ليس استثناء، وانه علينا التركيز على الآليات والاجراءات التي من شأنها تحسين مشهد السوق وإضفاء التوازن عليه سواء من خلال آلية الطلب أو من خلال البحث عن بدائل (لحوم مبردة).. وانفاذ إجراءات لضمان الشفافية في الأسواق خاصة وان تحسين العرض من خلال «واردات تكميلية» أمر غير ممكن في ظل المشهد العام لأسواق الأضاحي مغاربيا..
حقيقة الأسعار: سعر لجسّ النبض وآخر حقيقي
إن المسألة الأساسية التي علينا الاهتمام بها هي تحديد الطرق العملية لتوظيف ال 780 ألف أضحية حتى نتمكن من «تأمين عيد في أحسن الظروف». وهنا أعود إلى ما أشرت إليه سابقا من ان المستهلك فرض على السوق منذ 5 سنوات منطق الطلب. وإذا نجحنا في تلك السنوات في تأمين كل الطلبات بالرغم من الحديث الذي دار حينها عن النقص في العرض، فإنه كان بفضل سلوك المستهلك المعقلن. فالمواطن التونسي أصبح يستطلع الأسواق ويقارن بين الأسعار ويعمل على مراعاة مقدرته الشرائية.
وفي هذا الاطار بالذات اسمحوا لي بالاشارة إلى أنه يوجد في الحقيقة سعران لنفس الأضحية في كل سوق، سعر أول معلن من قبل البائع بغض النظر عما إذا كان مربيا أو تاجرا وهو في الحقيقة لجسّ النبض ومحاولة فرض أسعار معينة وسعر آخر هو السعر الحقيقي، والفارق بين السعرين المعلن والحقيقي يكون كبيرا للغاية في ظل واقع علينا أن نعترف به وهو أنه إلى الآن (يوم السبت الماضي) لم يتشكل السوق بعد، وكل ما نراه هو إعلان عن النوايا وجسّ للنبض.
لقد سمعت حديثا من قبل الاخوة عن «القشارة» ودورهم السلبي في تحديد السعر أي في ارتفاعه، وهنا أنا أتساءل هل سنرى عيد من الأعياد دون وجود قشّارة؟ كما أتساءل هل توجد سوق بيع أغنام في العالم منظمة؟
لكن بالرغم من ذلك فإننا في المعهد الوطني للاستهلاك نأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى، وقد أخذنا جملة من الاجراءات للحد من التدخل السلبي للقشارة في السنوات الماضية، ووزارة التجارة اتّخذت كما علمت اجراءات مماثلة وحازمة هذا العام لاقصاء من يمارس نشاط التجارة دون صفة، ومحصلة القول في مسألة «القشارة» هي أن العمل على الحد من تدخلهم بطريقة سلبية على توازنات السوق أمر ضروري، لكن التعامل مع هذه المسألة كمدخل للحديث بطريقة غير متوازنة عن مسالك التوزيع يحيد بنا عن الموضوعية.
كما أنه علينا الوعي بأن «القشار» لا يحقق أي ربح يذكر أي «يا كل العصا» عند تراجع الاستهلاك الاضافي، وهذا التراجع الاضافي نسبته غير مقدرة ذلك أن جيل الأزواج الجدد (الشباب) وسكّان العمارات تعتبر شرائح اجتماعية ليس لديها نفس الحرص على القيام بهذه الشعيرة، بالاضافة الى أنه علينا الأخذ بعين الاعتبار أن المواطن التونسي قد خرج لتوّه من 6 مواسم استهلاكية تواترت في ظرف شهرين أو ثلاثة فقط مما يعني ان سلوكه الاستهلاكي سيأخذ بعين الاعتبار مقدرته الشرائية والانفاقية.
اجراءات لضمان توازنات السوق
وعن السؤال حول ماذا يمكننا أن نفعل لتأسيس سلوكيات تراعي توازنات السوق وتقدم مصلحة كل الأطراف ومن بينها المستهلك علينا التذكير بأهمية السلوك الاستهلاكي المعقلن لدى التونسي أولا كما أنه من الضروري الاشارة الى مجمل الاجراءات التي تم اتخاذها بالتشاور مع مختلف الأطراف وذلك استنادا إلى المعطيات الاحصائية الصادرة عن الدوائر المسؤولة (780 ألف أضحية).
الاجراء الأول يتمثل في الاتفاق على سعر مرجعي وهو ما يؤكد وجود أرضية تعاون بين مختلف الجهات والمصالح (منتج تاجر مستهلك) لعقلنة الاسعار في كامل جهات الجمهورية، فأهمية السعر المرجعي تكمن في تحديده لسعر تتأثر به السوق، وقد أثبتت التجارب والوقائع أنه مع الاعلان عن السعر المرجعي تبدأ الاسعار في التراجع في كل الجهات.
الاجراء الثاني يتمثل في نقاط البيع المنظّمة مع البرنامج القائم على توفير آلات وزن في باقي الفضاءات، بالاضافة الى توفير المنتوج البديل أي اللحوم المبرّدة بأسعار في متناول المقدرة الشرائية للمواطن وتوزيعها على مختلف الأسواق الراغبة في ذلك.
ويجدر بنا التذكير بتسعير لحوم الخرفان سواء كانت محليّة أو موّردة ب 12 دينارا للكلغ وب 13 دينارا إذا كان وزن السقيطة لا يتجاوز 13 كيلوغراما، والهدف الاساسي من هذا التسعير هو عقلنة الاسعار عموما.
ومن جهتنا فإننا نثمّن برنامج منظّمة الدفاع عن المستهلك لتوفير آلات وزن في مختلف الأسواق، كما أننا على ثقة بأن برنامج وزارة التجارة الخاص بالمراقبة سيكون له دور فاعل في التصدّي للتجاوزات، وأمام المواطن وسائل عديدة للاتصال بالادارة عبر الرقم الاخضر أو مباشرة.
وفي المحصلة إننا مدعوون جميعا للتفكير في أفضل السبل لتكريس سلوك يخدم المستهلك، مع الاشارة الى أننا نثمّن بروز عدّة نقاط بيع على مستوى الطرق الرئيسية للبيع من المنتج الى المستهلك، وهي «فضاءات» أو ساحات يمكن للمنتج وللمستهلك ان يجدا فيها مصلحتهما.
* السيد كريم داود (عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاّحين وعضو مجلس المستشارين): الفلاّح مستعدّ للبيع من المنتج الى المستهلك... ومزيد تأهيل مسالك التوزيع سيضمن انتفاع المستهلك وعدم تضرر المنتج
ردّا على سؤالكم حول احصاء المتوفرات اي العرض الخاص بعلوش العيد فإنه لا يمكننا الحديث عن احصائيات دقيقة ومضبوطة مائة بالمائة لأن عملية الاحصاء تتركز على الترقيم، ورغم المجهود الكبير الذي يقوم به ديوان تربية الماشية فإنه ما يزال أمامنا مشوار وعمل حتى نتمكن من تعميم هذه الآلية.
ونحن واعون بأنه على الفلاح الى جانب الادارة المساهمة في الترقيم مع ضرورة التسجيل والمتابعة حتى نكون على علم ودراية بكل علوش او بركوس يتم ذبحه. صحيح ان البرنامج طموح، لكن علينا ان نبدأ ونجتهد في انجاحه لنتمكن من التعرف على ثرواتنا الحيوانية بالدقة المطلوبة وعندها يمكن الحديث عن احصائيات دقيقة نستطيع من خلالها التعرّف على العرض بالضبط والاستجابة لمتطلبات السوق بأكبر قدر ممكن من الدقة.
نسق التطوّر دون الطموحات
أما في ما يتعلق بالملاحظة التي تقول بأن انتاجنا من الخرفان لم يتطور خلال الفترة الماضية فأنا اتفق معها ذلك ان قطاع الاغنام لم يتطور بالنسق المطلوب، ومن بين الأسباب تركيز استراتيجية الدولة على انتاج الألبان غير أننا لم نبذل نفس الجهد على مستوى انتاج اللحوم وخاصة العلوش.
فنسق التطور لم يرتق الى مستوى الطموحات، علما وان هذا التطور مرتبط بعدة عوامل على غرار المناخ وكلفة الانتاج والاعلاف وتطوّر بعض السلالات وغيرها...
وواقع قطاع تربية الماشية يشهد بأن التركيز ليس على تربية النعجة من أجل تطوير القطيع بالنسق المطلوب وانما هو على التسمين حيث نلاحظ عادة ان المربّي او المُسمّن او الوسيط يشتري «العلالش الصغيرة» من اجل تسمينها، لكن لتنمية هذه الثروة ينبغي التركيز على الأنثى اي النعجة.
وتفاعلا مع ما جاء على لسان السيد محسن الخبثاني فإني أشاطره الرأي حول خطورة ذبح «الفطيمة» والعلوش صغير الحجم مما يؤثر على نسق وحجم انتاج اللحوم الحمراء، مع العلم انه يوجد قانون واضح وصريح يمنع مثل هذا النوع من الذبح، ونحن ندعو الى الصرامة والحزم في تطبيقه.
وعلاوة على حجم الثروة الحيوانية اسمحوا لي بالتعريج على مسألة لا تقلّ أهمية وهي كلفة الانتاج خاصة وأننا مررنا بعامين ارتفعت فيهما أسعار الاعلاف بشكل قياسي وغير مسبوق بالاضافة الى انحباس الامطار مع الاخذ بعين الاعتبار ان علوش (بركوس) الذي نجده في أسواق الأضاحي الآن تم تسمينه بالاعلاف باهظة الثمن مما أرهق الفلاّح والمربيّ، وغنيّ عن القول انه من الضروري تحقيق هامش معقول من الربح حتى نضمن استمرار النشاط.
وليسمح لي الاخوة الحاضرون بالاشارة الى تطور القدرة الشرائية للمستهلك التونسي وتطور عدد المستهلكين (أكثر من 10 ملايين) اضافة الى الطلب السياحي المتنامي نظرا لأن تونس بلد مفتوحة ومنفتحة على الخارج، لكن عندما أتابع احصائيات تطور انتاج اللحوم الحمراء ومنها العلوش خلال الخمسين سنة الماضية ألاحظ ان نسق التطور ليس سريعا علاوة على ان نسق تطور الانتاج لم يتابع نسق تطوّر الاستهلاك، مع الاخذ بعين الاعتبار ان المستهلك التونسي يُحبّذ استهلاك لحم العلوش.
إن ما نلاحظه اليوم بكل يسر هو وجود نقص في انتاج اللحوم الحمراء ولمجابهة هذا الوضع علينا ان نقرأ للمسألة الحساب المناسب من خلال ضبط استراتيجية واضحة المعالم والأهداف والعمل على تطبيقها فالمسألة لا تتعلق بنسق ولادات او سلالات فقط وإنما مرتبطة بشبكة مترابطة من القطاعات والسياسات على غرار سياسة دعم قطاع الحبوب والتركيز على التداول الزراعي (زراعة البقوليات والاعلاف الخضراء..)
وفتح ملف كلفة الانتاج وما يتفرّع عنه من ملفات على غرار كلفة الاعلاف وكلفة التعشيب وغيرها.
نضال الفلاحين وواقع السوق
صحيح ان موضوعنا اليوم هو «علوش العيد» لكن علينا الاعتراف بأن المسائل مرتبطة ببعضها وانه لا يمكن فتح الملفات «ليلة صلى الله» بل علينا إعداد الاستراتيجيات حتى لا نجد أنفسنا امام الأمر المقضي، ان تطوير الانتاج يتطلب اتباع تقنيات حديثة للتناسل واتباع حزمة فنية متكاملة ومتطوّرة علاوة على حل اشكاليات الكلفة وايجاد العنصر البشري الضروري على غرار الراعي وهي مهنة بصدد الانقراض والاندثار.
وبالرجوع الى «علوش العيد» علينا التذكير بأن الحديث السائد خلال السنة الفارطة كان يدور حول نقص العلوش وبالرغم من ذلك تمت تلبية كل حاجيات السوق بل ان أعداد هامة من «البراكس» لم يقع بيعها حين سجلنا فائضا اذ فاق العرض الطلب.
اما في ما يتعلق بالميزان فإن المهنيين ساهموا بقسط كبير في التوصل الى اتفاق حول السعر المرجعي وتكفلوا بتوفير جزء هام من متطلبات النقاط المنظمة في شراكة تامة مع الإدارة وسلطة الاشراف، وهذه مناسبة للتأكيد على الروح الوطنية التي يتحلى بها الفلاح الذي يبذل ما في وسعه لإيصال المنتوج للمستهلك في احسن الظروف رغم كل الصعوبات التي يعيشها ورغم ارتفاع كلفة الانتاج كما انه (اي الفلاح) مستعد للبيع مباشرة للمستهلك حتى يضمن مصلحة الطرفين. وفي هذا الاطار يتنزل الجهد المبذول ضمن المعرض الدولي للفلاحة والآلات الفلاحية (سياماب) حين سيتم توفير 1000 خروف لبيعها من المنتج الى المستهلك ولكن ليس ب 200 دينار العلوش كما ذكرت بعض وسائل الاعلام، علما وأنني باعتباري المشرف على التنظيم لم أصرّح بمثل هذا الكلام أبدا.
ولا تفوتني الاشارة هنا الى اهمية الاعتماد على الميزان لأن بعض المستهلكين قد يجدوا أنفسهم قد اشتروا «علوس او بركوس» بسعر 8 أو 9 دنانير للكلغ وذلك عند شرائهم بالتراضي او التفاوض.
ان تأهيل مسالك التوزيع ومقاومة «القشّارة» والوسطاء غير القانونيين من شأنه ان يساهم في تحقيق المعادلة المطلوبة وهي انتفاع المستهلك وعدم تضرّر المنتج.
أسواق الأضاحي في الوطن العربي: الكلّ سواء في تقلّص العرض وارتفاع الاسعار
يتميز سوق الأضاحي في مختلف الدول العربية بانخفاض العرض وارتفاع الأسعار وهذه الظاهرة تعتبر استمرارا للمشهد العام للأسواق خلال السنة الماضية، من ذلك ان عديد الأسر في الجزائر قد لجأت الى الاشتراك في ثمن اضاحي عيد الاضحى المبارك وعزت السبب الى غلاء الخرفان حيث بلغ معدل سعر الخروف الواحد 675 دينارا تونسيا علما وان أدنى سعر ممكن كان في حدود 260 دينارا.
وفي ذات السياق اشار تقرير صادر عن دائرة الاحصائيات بالأردن الى وجود انخفاض في عدد الاغنام بالمملكة بنسبة 16% مقارنة بالسنة الماضية، كما شهدت اعداد الماعز خلال النصف الأول من سنة 2001 انخفاضا قدره 16,41% مقارنة بنفس الفترة من عام 2008.
وفي مصر شهدت أسعار الخرفان في الفترة الأخيرة ارتفاعا جنونيا حيث وصل سعر «الكبش» 1500 جنيه فيما يضطر المواطن محدود الدخل لدفع ما لا يقل عن 750 جنيها لشراء خروف صغير وذلك بعد ارتفاع سعر الوزن القائم الى 21 جنيها للكيلو مقابل 18 في العام السابق اي بمعدل ارتفاع 16،66 % مع الأخذ بعين الاعتبار ان الأسعار ستسجل ارتفاعا اضافيا خلال الأيام القادمة.
وكشفت معطيات رسمية عن ارتفاع اسعار الأبقار ب 16% واسعار الخرفان ب 18% كما سجلت اسعار اللحوم المجمدة ارتفاعا كبيرا بنسبة 12.5% للحم البرازيلي (الاجزاء الأمامية : كتف ورقبة) و بنسبة 11% للأجزاء الخلفية وشهدت اسعار الضأن المستورد ارتفاعا ب 25%.
كما صاحب ارتفاع اسعار لحوم الضأن والأبقار ارتفاعا في اسعار الدواجن يصل الى نحو 50% والى 80 بالمائة في الأسماك.
وللتقليص من كلفة الأضحية ظهرت فكرة «الأضحية الجماعية» التي تقوم على تكافل اكثر من أسرة لشراء اضحية بهدف تخفيض نفقات شراء الخرفان الحية الاغلى ثمنا وتوزيع اللحم على محدودي الدخل وعلى الأسر المشاركة في الأضحية.
وفي اليمن اكدت مصادر في المؤسسة العامة للمسالخ ان 65% من الأضاحي التي تذبح خلال ايام العيد مواشي مستوردة مع التأكيد على ارتفاع اسعارها بنسبة 53%.
وفي الامارات (امارة ابوظبي) قررت وزارة الاقتصاد منح موردي اللحوم الذين يستوردون كميات كبيرة من الخارج تسهيلات كبيرة في اجراءات الاستيراد ودخول المنافذ الجمركية مع اعفائهم من عمليات الاستيراد وطالبت الوزارة موردي اللحوم الحية بضرورة الاستيراد من اسواق جديدة وتوفير الأضاحي بكميات كبيرة خلال موسم عيد الاضحى المبارك مؤكدة انها لن تسمح بزيادة اسعار اللحوم الحية خلال موسم الاضاحي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.