قبل حصول فرنسا على كأس العالم لكرة القدم مع الممرن «إيمي جاكي» تعرّض الرجل الى حملة صحفية «متفننة» من اشهر جريدة رياضية في بلاده «L'équipe»، كالت له كل التهم، وتكهّنت بفشله حتى قبل الموعد، وطالبت بازاحته! وصبر الرّجل وتحصّل على كأس العالم، وبلغ في المجد ما لم يبلغه قبله ممرّن من جنسيته. ويوم الفرحة الفرنسية الكبرى، صدرت الجريدة الشهيرة بعنوان بالبنط الغليظ: معذرة يا سيّد جاكي! ورغم أنه رجل خلوق، رفض السيد جاكي الاعتذار بل وأصرّ على الرفض، لأن الحملة كانت تقصد تدميره وليس اصلاحه! الآن بدأت بعض وسائل الاعلام الامريكية خاصة، وبعض «المفكرين» الذين ساندوا الحرب على العراق يتراجعون، بل إن جريدة أمريكية طلبت المعذرة ليس من الشعب العراقي طبعا، بل من قرّائها لأنّها انساقت وراء النّفخ في لهيب الحرب. مع الفارق الكبير بين الاعتذار لممرن كرة قدم، وبين اعتذار يخصّ تدمير شعب، ولو كانت الاعتذارات كافية في المسائل الكبيرة، لقبلت أمريكا باعتذارات آلاف المسلمين عن حادثة 11 سبتمبر! وبالطبع اعتذر ضمنيا كل من السيد بوش وبلير على مسؤولية المخابرات في بلديهما في تضليلهما، ليس على أساس أن الحرب خاطئة، بل على أساس أن أسبابها صحيحة لكنها كانت غير تلك الواردة في تقارير المخابرات. اما الشعب العراقي فلا يستحق اي اعتذار، ليس لأن الحرب خلصته من صدام حسين، لكن لأنها اتاحت له ما لا يخطر على بال من حرية كانت مكبلة ومسجونة. وستنهال الاعتذارات على الشعب العراقي بلا شكّ، فها هو السيد بحر العلوم عضو مجلس الحكم الانتقالي يكشف له بعد ان خسر كل موقع طبعا، عن ديكتاتورية بريمر، وسرقته لأموال العراقيين، وهذا شكل من اشكال الاعتذار. وكذلك يفعل السيد احمد الجلبي بعد ان تحوّل من ابن مدلل للمخابرات التابعة للبنتاغون الى طريد، قد يطلب اللجوء السياسي في ايران في آخر المطاف. وسنسمع عن غير هؤلاء بلا شكّ، بل قد لا نستغرب يوما يطلع فيه السيد اياد علاوي او غازي الياور لطلب المغفرة والغفران وليس للاعتذار فقط! مصير الشعوب ليس لعبة كرة قدم بلا شك بل تلاعب بمستقبل وتأجيل لنهضة وحرمان من الحياة. وقد اعتذر اليك اذا ما وعدتك مثلا باهداء قنينة عطر ثم اخلفت، اما ان اعتذر اليك بعد ان اشوّه وجهك بسكين مع سابقية الاضمار والترصد، فهذا معناه انني استهزئ بك قبل ان يكون معناه انني اطلب تفهمك! ولا يلتقي الدمار بالاعتذار، خصوصا اذا ما هو تواصل اي الدمار فالعراق حتى وان خرجت منه قوات الاحتلال مقبل على انواع اخرى من التدمير، آخرها التعويضات المالية التي يطالبونها به والديون التي اغرقته الى أبد الآبدين. والقادة يقدمون على قرارات الحروب لينتصروا فيها او لينهزموا خلالها وليس ليعتذروا في نهاية المطاف، ومهما كانت نتيجة الحرب! أما مقولة «المسامح كريم» فاستخدامها محدود حتى بين الافراد، وممنوع بين امم تدمّر بعضها البعض! و»الهوليغنز» الامريكان والانقليز الذين جاؤوا للعراق لم يأتوا لتشجيع فريق في لعبة، بل لتدمير شعب وتركه ينزف!