إنسحاب معظم القوات الأمريكية من العراق في شهرآب 2010 كما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لا يعني أن المهمّة أو المهمات الأمريكية في المنطقة العربية قد إنتهت . ولا يعني أن وجود 40 أو 50 ألف عسكري أمريكي للمشورة وتدريب القوات العراقية, كما زعم السيد أوباما, أن العراق لم يعد بلدا محتلا وإن حكومته الحالية ومعها جميع المؤسسات الأخرى هي ثمار مسمومة لما سمّوه زورا وبهتانا بالعملية السياسية التي إنبثقت هي الأخرى عن المشروع الجهنمي المسمى"مشروع تحريرالعراق" السيء الصيت والذي إنقلب الى مشروع تخريب وتدميرالعراق والعراقيين بشتى الوسائل والسل. فالعراق سيبقى بلدا محتلا مسلوب الارادة ناقصة السيادة حتى لو بقيّ فيه خمسة جنود أمريكان لا 50 ألف. وعندما يتحدث السيد أوباما عن بقاء عدة آلاف من الجنود في العراق لم يوضّح لنا ما المقصود بقوله سوف يبقون هناك للمشورة وتدريب القوات العراقية"وتأدية مهمات أخرى محدودة الهدف". لم يوضح طبيعة هذه المهمات الأخرى. وهل أن يكون العراق رأس حربة أمريكية في أي عدوان محتمل على الدولة الأخرى أو يتحوّل الى قاعدة عسكرية أمريكية تسيطر على كلّ شيء فيه وتتحكّم في خيراته وثرواته بالتعاون مع السفارة الأمريكية التي تُعتبرأكبر سفارة أمريكية في العالم. بل أن السيد أومابا لم يشر لا من قريب ولا من بعيد لوجود مئات المشتشارين الأمريكيين, عسكريين ومدنيين, الذين يسيّرون جميع الوزرارت والمؤسسات والدوائرالحكومية الكبرى في العراق. المحتل. وعندما يقول باراك أوباما إن هدف القوات الأمريكيةالمتبقية هو "حماية االأمريكيين العاملين في العراق", وهم في االحقيقة أفاعي صهيونية سامة تغلغلت في ثنايا الدولة العراقية. فهؤلاء بلا شك سوف يستمرّون في مهامهم الشيطانية لأن حكومة العميل نوري المالكي بدونهم لا تقوى حتى على التجوّل في ممرات وحدائق المنطقة الخضراء المحصّنة جيدا. لآ شك إن قرار أوباما بسحب معظم القوات العاملة في العراق لم يأتِ من أجل سواد عيون العراقيين الذين تعتبرهم أمريكا والغرب عموما, كما تعتبرالغالبية العظمى من الشعوب الأخرى, مجرد أرقام مجردة تنتشر على حوافي وهوامش كتاب البشرية البائسة. ولعل السيد أباما وإدارته, خلافا لادارة المجرم بوش الصغير, توصّل الى حقيقة ثابتة لا تتزعزع مفادها أنه مهما تعاظمت قوة وجبروت وطغيان وبطش أمريكا لا يمكنها أبدا إخضاع شعب ذي تاريخ عريق كالشعب العراقي, لم يهادن أو يساوم أو يخضع لاحتلال أجنبي لا في الماضي البعيد ولا في الحاضرالقريب. لكن أوباما, الساعي الى تحسين صورة أمريكا, تناسى أو تجاهل أن إنسحاب او هروب قواته من العراق لا يمحي آثارعشرات بل مئات الجرائم والمجازر والانتهاكات الصارخة التي قام بها جنوده القتلة على مدى أكثر من سبع سنوات. فلا يعقل وليس واردا في أي قانون أو شريعة أو ملّة أن تأتي أمريكا البعيدة جدا عن العراق وتقوم باحتلاله وتدميره وقتل وإعتقال قيادته الشرعية , وتزرع في ربوعه الفوضى والخراب والقتل والبؤس والتشرّد وفقدان الأمل, ثم تغادر وتخرج هكذا بكل بساطة على مراحل وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال في عينيّ باراك حسين أوباما. وهل ثمة مسؤول عن كلّ هذا الذي حصل في العراق منذ التاسع من نيسيان, بل وقبله بسنوات عديدة؟ لعل سؤالا من هذا القبيل قد خطرعلى بال الرئيس باراك أوباما المتلهّف الى تجميل صورة أمريكا الملطّخة بدماء آلاف الأبرياء. وقد يستطيع أوباما إعادة بعض الهيبة والاعتبارلأمريكا لو إمتلك الشجاعة الكافية وتخلّص من نفوذ وهيمنة المؤسسة الحاكمة في واشنطن وقدّم إعتذارا رسميا الى الشعب العراقي وإعترف بلا شرعية ولا قانونية الحرب العدوانية التي شنّتها الادارة السابقة, بما يتبع ذلك من تعويض الأضرارالمادية والمعنوية والبيئية التي لحقت بالعراق والعراقيين. وكذلك التوجّه مباشرة الى فصائل المقاومة العراقية المسلّحة, ممثلي الشعب العراقي الحقيقيين, لا الى حكومة من الدمى والدراويش والسماسرة لا تتمتع لا بالشرعية ولا بالنفوذ ولا بالمصداقية. وخلاف ذلك فان إنسحاب القوات الأمريكية من العراق, رغم كونه يأتي أثرهزيمة نكراء, يبقى بلا قيمة ومحدود الأهمية لأنه بكلّ بساطة جزء من مسلسل الخداع والتضليل والضحك على الذقون الذي دأبت جميع الادارات الأمريكية على ممارسته مع الآخرين. [email protected]