«للأسف المسرح العربي ابتعد عن الهوية، أصبحنا نقدم المسرح بأشكال غريبة... هناك بعض العروض الخالية من أية رسالة وبعيدة كل البعد عن قضايانا... لابد من الاصلاح الجذري والفوري وإلا بقينا حيث نحن... هكذا صرح بعض المسرحيين العرب ل «الشروق» أثناء لقائنا بهم على هامش فعاليات أيام قرطاج المسرحية وفي إجابتهم عن سؤال: أي دور للمسرح العربي في خدمة القضايا العربية؟ جاءت تصريحاتهم مشحونة بالحيرة والتأسف عن حال المسرح العربي الذي لم يبلغ الى حد الآن المستوى المرجو منه لخدمة القضايا العربية... مقدّمين بعض الحلول لتجاوز تخلّف المسرح العربي على حد تعبيرهم. إعداد: وسام المختار و نجوى الحيدري المخرج المسرحي «يوسف البلوشي» (سلطنة عمان): المسرح العربي أعطى الكثير للقضايا العربية المسرح العربي من الأمور الهامة التي خدمت القضية العربية بشكل أو بآخر، لكن النداءات التي تقدّم على الركح في عديد المسرحيات العربية وجدت صداها لدى الجمهور العربي لكنها لم تصل إلى من يجب أن تصل بعد. والمسرح العربي يتناول دوما بالنقاش والقضايا العربية الهامة بالايحاء أو تصريحا لكن أحيانا كمسرحيين نجد رجع الصدى المأمول وأحيانا أخرى لا نجد. المسرح العربي حسب رأيي أعطى الكثير للقضايا العربية ولازال وربما كمسرحيين نحتاج إلى تناولات أكبر وأعمق، لكن إجمالا المسرح العربي قدّم الكثير لقضاياه. فمثلا نحن كمسرحيين نناقش القضية الفلسطينية ونقدّمها للجمهور بمختلف شرائحه، لكن المسرح لا يمكن له حلّ أو إيجاد حلّ لهذه القضايا رغم كوني أتمنى لو كان المسرح قادرا على ذلك. لكن ما عجز عنه السياسي يصعب أو يعسر على المسرحي. الكاتب المسرحي «مفلح العدوان» (الأردن): لا جدوى من عمل مسرحي لا يحمل قضية المسرح العربي، هو موازي للمعبد أحيانا وللمنبر السياسي أحيانا أخرى، وللصوّت الانساني في كل الأحيان، ولهذا فإن أي عرض مسرحي لا يأخذ جدوى الا إذا كان حاملا لقضية، أيّا كانت هذه القضية، جمالية أو فنية أو قومية تحررية، لكن بالضرورة يكون ثمّة قضية يحملها المسرح ويمارس بالتالي، من خلالها الدور التنويري والفني الذي مازالت المجتمعات العربية في حاجة اليه لمواجهة التيارات الظلامية ودعاة الانغلاق. ومن المفترض أن تكون هناك أولوية لا يمكن التسامح فيها بالنسبة للجانب الفني والمستوى العالي لأي عمل مسرحي في الخروج عن المباشرتية والخطابية عند تقديم أي قضية عربية، لأن المسرح ليس بوقا سياسيا، ولكنه حامل لموقف سياسي من خلال منجز مسرحي ابداعي يثري هذا الموقف. فأنا مثلا مسرحيتي «بلا عنوان» التي تعرض في أيام قرطاج المسرحية تتحدث عن القدس والقضية الفلسطينية، لكن لا تذكر فيها القدس وإن كانت تعبّر عن كل القضايا والمجازر والمصادرة التي تمارس على القدس. ولكن كما ذكرت بطريقة فنية وابداعية، وفيها نوع من الرمز السلس في التعامل. المخرج المسرحي «سليم الصنهاجي» (تونس): أصوات المسرحيين أسرع من أصوات السياسيين من منظوري كفني وكفاعل في الميدان المسرحي، ومن خلال لقاءاتي مع الفاعلين في قطاع الفن الرابع أن دور المسرح العربي في خدمة القضايا العربية كبير لكنه جاء باحتشام كبير. بيد أن تواجد الفنانين أو المسرحيين العرب في المهرجانات العالمية يعتبر في حد ذاته مكسبا كبيرا وتحديا مهمّا جدا تتجلى أهميته في التعريف بالقضايا العربية وبالتالي خدمة هذه القضايا. ففي تظاهرة مسرحية عالمية، يمكن لعمل مسرحي عربي أن ينبّه الآخر الغربي الى واقع الانسان العربي ومشاكله وكثيرون هم الذين خدموا قضايا الوطن العربي في أعمالهم المسرحية خارج حدود الوطن العربي. كما أن عديد المسرحيين العرب حرّروا فيما مضى بيانات ورسائل وقاموا باعتصامات بعثوا بها الى هيئات أجنبية ودولية خدمة لقضاياهم العربية، وحتى وسائل الاعلام الاجنبية تفطنت الى ذلك في عديد التظاهرات المسرحية، وكانت النتائج إيجابية وجلية في كتاباتهم وتناولاتهم للاعمال المسرحية العربية. فمثلا عندما تقدم فرقة مسرحية عربية عملا ما في مهرجان أفينيون على سبيل المثال، فإن كل العالم ينتبه في فترة المهرجان على الاقل الى الحدث والى البلد الذي قدم ذلك العمل المسرحي العربي. وإجمالا أصوات المسرحيين العرب تصل أسرع من أصوات السياسيين عبر المحاورات الانسانية الجريئة. المخرج المسرحي «أحمد الأحمري» (السعودية): المسرح مناخ صحّي لخدمة القضايا العربية المسرح يقدّم غالبا الخطاب الموحد، ويحاول توحيد الصفّ العربي ويمكن له كذلك أن يقدّم الحلول. وأعتقد أن المسرح فضاء واسع للإعلان عن حقوق العالم العربي والإنسان وهو كذلك مناخ جيّد وصحّي لعرض القضايا العربية وخدماتها. فالمسرح رسالة قريبة من المتلقي أكثر من التلفزة والمذياع لأنه «يشجّع» القضايا ويشحنها للجمهور حتى يزيد من وهج هذه القضايا العربية والتفكير فيها، ونحن كعرب نقدّم على الدوام مسرحا عن القضية الفلسطينية وبقية القضايا العربية. وبالمناسبة أقترح تنظيم دورات، كلّ دورة تخصّص لقضية والمسرح يهتم بتلك القضية، فما المانع أن نشاهد عروضا مسرحية عن القدس مثلا في دورة تنظم خدمة لقضية القدس سيما وأننا كعرب في عديد المهرجانات نكرّم عديد الراحلين فنقول دورة المرحوم فلان. وفي السنوات الأخيرة لاحظت أن المسرح العربي ابتعد كثيرا عن القضايا العربية وذلك نتيجة تغافله عنها واهتمامه بالتقنيات المسرحية الغربية والأفكار الغربية، وهذا التوجّه على تقدّمه لا يمكن أن يخدم القضايا العربية، ويمكن أن نلمس هذا القول في هذه الدورة من أيام قرطاج المسرحية. الناقدة المسرحية عزّة القصّابي (عمّان): بعض العروض خالية من أي رسالة المسرح العربي فيه نوعين من العروض: أولا الفن من أجل الفن وهو خال من أية رسالة فهناك عروض وضعت لخدمة القضايا العربية لتكون هذه الأخيرة محور اهتمامها. عندما شاهدنا العرض التونسي «نشار» لاحظنا مدى عمق التجربة المسرحية التونسية في خدمة القضايا العربية «نشار» قدّمت المسرح العبثي في ارتباطه بالانسان العربي وبالتالي تم طرح العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تشغل المواطن العربي كذلك هناك بعض العروض الأخرى العربية التي غاصت في الحديث عن المواطن العربي وما يحيط به من شواغل وهموم لكن وللأمانة هناك من العروض التي ابتعدت كل البعد عن القضايا العربية والانسانية فظهرت وكأنها مجرّد سرد لمشاهد خيالية. المسرحي طارق الشيخي (ليبيا): المسرح العربي يعبّر عن قضايا الآخر للأسف المسرح العربي تباعد عن الهوية وأصبح الممثل «يبيع الماء في حارة السقائين» كما يقول المثل العربي بمعنى نحن أصبحنا نقدّم المسرح العربي بأشكال غربية وهذا ما أبعدنا عن قضايانا بحجة انه في تقديم الافكار الغربية عنوان للرقي والتطور وبالتالي فلابد من العودة الى التراث، ومن رحم مجتمعاتنا العربية نستخرج الافكار ونعبّر عن قضايانا. لأن الازمة وللأسف عميقة ولابد من الاصلاح الجذري لأن الممثل العربي فقد ثقته في نفسه في حين يقدّم ذاته كما هي يخاف من الرفض وعدم القبول وهو ما جعله يستنجد بذات الآخر وفي غفلة منه يجد نفسه يعثر عن الآخر وشواغله متناسيا همومه. ولهذه الأسباب ابتعد المسرح العربي عن قضاياه ليغوص في مشاغل الآخر.