أحالت الحكومة التركية مؤخرا إلى البرلمان بروتوكولين وقعتهما تركيا وأرمينيا في العاشر من أكتوبر المنقضي في زوريخ بسويسرا وينصان على تطبيع العلاقات مع أرمينيا المجاورة, للتصديق عليهما والسعي لوضع حد لقرابة قرن من العداء. لكن تصويت النواب على هذين النصين لا يتوقع أن يتم في وقت قريب لا سيما وان المعارضة البرلمانية ترفض بشدة عملية التطبيع مع يريفان وكذلك الأمر في أرمينيا حيث ترفض المعارضة في البرلمان وأرمن الشتات المصالحة مع الأتراك. وكلفت لجنة برلمانية تركية بدراسة النص الذي ستجري مناقشته في وقت لاحق في جلسة موسعة في تاريخ لم يحدد بعد. ولدخول الاتفاقات حيز التنفيذ، يجب أن تتم الموافقة عليهما من قبل برلماني البلدين. لكن هذه الخطوة التي لم تحسم بعد قوبلت بترحيب كبير من قبل المجتمع الدولي الذي رأى فيها تحركا كبيرا نحو التوصل إلى اتفاق تاريخي يقطع مع الماضي بشكل نهائي... لكن هل أن ذلك سيتحقق فعلا؟ « الشروق» تفتح هذا الملف وتسلط الضوء على القضية التركية الأرمينية ومستقبل المصالحة بين البلدين وانعكاساتها على مستقبل العلاقات بين دول منطقة القوقاز. إعداد عبد الرؤوف بالي يجمع المراقبون على أن القضية التي ترخي بظلالها وتستأثر بالاهتمام أكثر من أي شيء آخر وتعيق التقارب بين البلدين بصفة مباشرة هي ما يعرف «بالكارثة الكبرى» عند الأرمن حينما قضى نحو مليون أرمني وفق ما تقوله أرمينيا عام 1915 في حين لا تعترف تركيا إلا بما بين 300 و500 ألف، معظمهم من المسيحيين الأرثودكس، على أيدي من هم في غالبيتهم من الأتراك العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى. ويقول المؤرخون الأرمينيون وغيرهم من المؤرخين غير الأتراك إن ذلك كان بمثابة إبادة جماعية، وهو ما ينكر الأتراك حدوثه على الإطلاق منذ زمن طويل وربما كان ذلك بسبب الخشية من أن يؤدي الاعتراف ب«المذبحة» إلى أن تكون «وصمة عار» في تاريخ جمهورية تركيا الحديثة التي تشكلت بعد الحرب. ويشار في هذا السياق إلى أن هناك قانونا تركيا مثيرا للجدل يمنع توجيه الإهانات إلى الأمة التركية، قد استغل لمحاكمة كل من يشيرون إلى أحداث 1915 على أنها إبادة جماعية. ومن هنا يمكن فهم إصرار العديد من الأرمن على ضرورة اعتراف تركيا بمسؤوليتها عن المذبحة كشرط مسبق لإعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وهو بالضبط ما لم يحدث, وعوضا عن ذلك وافقت الحكومتان على تجاوز هذه القضية عن طريق تعيين هيئة تاريخية مستقلة لمناقشتها. وهو ما يشجبه أرمين أفازيان مدير مركز «أرارات» للبحوث الإستراتيجية في العاصمة الأرمينية يريفان نيابة عن العديد من القوميين الأرمن الذين يصفون هذه الخطوة بأنها عيب ومثار للسخط. ويقول أفازيان إن ألمانيا طالبت بتشكيل هيئة تاريخية لمناقشة الحديث عن «المجزرة», وقد مكن ذلك الأتراك سياسيا من القول بأن على الدول التي تسعى الى الحصول على قرارات تدين رسميا الأعمال التركية عام 1915, أن تؤجل القيام بذلك خشية أن تضر بالتقارب الحالي. ولعل من أكثر الأمور مثارا للاستغراب بخصوص عملية التطبيع وعلى ضوء الذكريات التاريخية لكلا الطرفين هو مدى الدعم الذي حصلت عليه تلك العملية من قبل الأتراك, فقد بينت استطلاعات الرأي التركية عندما أطلق الرئيس التركي عبد الله غول مبادرته الحالية وتوجه في سبتمبر 2008 إلى يوريفان من أجل حضور مباراة كرة قدم أن 69.6% يوافقون على تلك المبادرة بينما قال 62.8% إن على تركيا الاكتفاء بتطوير روابط اقتصادية وسياسية مع أرمينيا. وللتذكير يوجد حاليا نحو سبعين ألف عامل أرميني في تركيا، إلا أن الرأي العام الأرميني ما زال أكثر تشددا إذ أن غالبية الأرمن توافق على فتح الحدود ولكن بشرط اعتراف تركيا بمسؤوليتها عن «الإبادة» التي ارتكبتها عام 1915. إذن هناك جهود ومؤشرات عدة تشير إلى إمكانية حدوث تقارب بين البلدين لكن هناك عامل ثان بإمكانه التأثير على نتائج هذه الجهود وهو النزاع الأذري الأرمني. النزاع الأرمني الأذري انطلقت أولى شرارات النزاع الأرمني الأذري عندما استطاع الجيش الأرميني، بمساعدة الجماعات الأرمينية المسلحة في إقليم «قرة باخ» أو «كرباخ» الأذري، من فرض سيطرته على مناطق أذرية واسعة، في عامي 1993 و1994، واحتل أراضي يصل إجمالي مساحتها 14ألف كيلو متر مربع، وهي عبارة عن إقليم «قرة باخ» وسبع قرى محيطة به. وقد نجح الجيش الأرميني في فرض سيطرته بمساعدة الدعم الروسي، المادي واللوجستي، الواسع النطاق. وفي ماي سنة 1994، وقع ممثلون عن أذربيجان وأرمينيا، ومليشيات «قرة باخ»، اتفاقية لوقف إطلاق النار، خلال اجتماع ضمهم في مدينة بشكيك القرغيزية. وقد رعت روسيا هذه الاتفاقية، التي جمدت النزاع ولكن دون أن تصلح الأضرار التي سببتها تلك الحرب، أو أن تضع آلية قادرة على تحقيق ذلك. وهناك حاليا ما يعرف ب«فريق مينسك»، المنبثق عن منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، الذي تقوده مناوبة كل من روسياوالولاياتالمتحدة وفرنسا. ويهدف هذا الفريق إلى تفعيل الحوار متعدد الأطراف، بحثا عن حل سياسي للأزمة. ويقول باحثون أتراك، إنه بالإضافة إلى الاعتبارات القومية والتاريخية للعلاقات التركية الأذرية، فإن لأذربيجان أهمية كبيرة على صعيد الإستراتيجية التركية للطاقة. وهي جزء أساسي من مشروع «نابوكو» لنقل الغاز من آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى أوروبا كما يرى المحللون أن خسارة تركيا لأذربيجان سوف تعني بالضرورة زيادة نفوذ روسياوإيران في القوقاز. وفي أذربيجان ذاتها، انطلقت، منذ أفريل الماضي، حملة توقيعات تحت عنوان «لنمنع فتح الحدود التركية الأرمينية». وتقرر جمع توقيعات أهلية، وتوجيه نداء للقيادة التركية بهذا الشأن. الاتفاق الثلاثي... المضمون والجدوى؟ اعتبر المحللون قرار أرمينيا المبادرة بخطوات تتصل بقضية «قرة باخ»، ومنها الانسحاب من ممر «لاتشين» الإستراتيجي بين أرمينيا و«قرة باخ» وفتحه أمام حركات المرور، أول بوادر الاتفاق مع تركيا، في وقت أعلن فيه وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أن فتح الحدود بين تركيا وأرمينيا يهدف إلى تعزيز السلام في منطقة القوقاز. وقضى الاتفاق التركي الأرميني الأخير بإقامة علاقات ديبلوماسية وفتح الحدود بينهما ما شكل علامة مهمة على بداية حل المشكلات المزمنة بين البلدين. ونقلت صحيفة «يني شفق» التركية، المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، عن مصادر ديبلوماسية قولها إن قضية «قرة باخ» تؤدي دور المفتاح في حل الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا، كاشفة أن الاتفاق يتضمن في مرحلة أولى الانسحاب من خمس من أصل سبع قرى أذرية. ومن جهة ثانية يتوقع محللون أن يعطي فتح الحدود دفعة قوية للاقتصاد الأرميني حيث جعل إغلاق تركيا حدودها عام 1993 أرمينيا تعتمد على جورجيا من أجل الاتصال ببقية دول القوقاز. كما يتوقع أن يتعزز نفوذ الأتراك على المدى البعيد في منطقة القوقاز الحساسة من الناحية الإستراتيجية, ناهيك عن أن الحكومة التركية ستنال مصداقية أكبر في تعاملها مع القبارصة اليونانيين ومن ورائهم الاتحاد الأوروبي الذي لديه تحفظات على سجل حقوق الإنسان في تركيا، وعلى إخلاصها بخصوص «الديمقراطية». * القائم بأعمال سفارة أذربيجان بتونس ل «الشروق»: الاتفاق التركي الأرمني شأن داخلي.. وهذه مخاوفنا تونس «الشروق» شرح السيد مبارز شاكر القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بتونس موقف بلاده من اتفاق تطبيع العلاقات الذي توصلت اليه الحكومة التركية مع نظيرتها الارمينية والذي ينتظر موافقة البرلمان في البلدين. وأوضح السيد شاكر في حديث مع «الشروق» كيف يمكن ان يؤثر الاتفاق على مسار السلام في منطقة القوقاز اذا استثنى قضية ناغورني كارباخ المحتل. وفي ما يلي نص الحوار: بداية ما الذي يميّز العلاقات الأذرية التركية حتى يكون محددا في إمكانية توصل أنقرة وأذربيجان الى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما؟ تربط أذربيجان بتركيا علاقات تاريخية وطيدة فالشعب الأذري يتماهى مع الشعب التركي الى أبعد الحدود من حيث اللغة والتقاليد والعادات والديانة. وتعززت هذه الروابط اكثر عند قيام جمهورية أذربيجان حيث كانت تركيا اول دولة تعترف باستقلالنا سنة 1991 عن الاتحاد السوفياتي كما انها ساعدتنا في مرحلة ما بعد الاستقلال في كثير من الأمور ونحن نثمّن دورها حكومة وشعبا. وعلى المستوى الاقتصادي ايضا تربطنا علاقات ممتازة وكمثال على ذلك هناك اليوم عدد كبير من رجال الأعمال الأتراك لهم مشاريع متعددة وفي مختلف القطاعات في بلادنا. وقد اتسعت دائرة العلاقات بيننا حد ان أنقرة تبنت قضية أراضينا المحتلة من قبل ارمينيا ودافعت عنها في مختلف المحافل الدولية. وساعدتنا تركيا أيضا على حماية مصالحنا في إقليم ناغورني كارباخ المحتل. هل تعتقد ان تركيا قد تمضي الى توقيع اتفاق مع أرمينيا بمعزل عن قضية ناغورني كارباخ؟ بالنسبة لقيادة أذربيجان فهي تؤمن ان هذا الاتفاق يدخل في إطار الشؤون الداخلية التركية، وأنه يجب ان لا نتدخل في ذلك. أما بالنسبة للشعوب يمكن ان نقول ان الشعب التركي اكثر من شقيق وهو ما يجعل شعبنا يثق تماما أن تركيا والشعب التركي لا يخونون هذه العلاقات الرابطة بين قيادة البلدين والشعبين. وكما صرّح رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب أردوغان امام البرلمان الأذري مرات عديدة انه «لا مصالحة الا بعد الانسحاب الارميني من إقليم ناغورني كارباخ». إذا أنتم لا تعارضون اتفاقا ثنائيا بين تركيا وأرمينيا يستثني قضيتكم؟ كما سبق قلنا فإن هذا الاتفاق نعتبره شأنا داخليا تركيا لكن نعتقد ايضا انه إذا ما تم توقيعه دون التطرق لقضية «كارباخ» سيؤثر على عملية السلام بين اذربيجان وأرمينيا. لكن هناك من يعتقد ان الاتفاق الثنائي يخدم ايضا قضية كارباخ، بمعنى ان الموقف التركي سيكون أقوى وأكثر فاعلية؟ بالفعل يرى بعض المراقبين الأجانب من أوروبا وأمريكا ان الاتفاق وإن تم بمعزل عن قضيتنا سيدعم مسار السلام، لكن هذا الرأي لا يمتلك نضرة كاملة للوقائع. ونحن من هذا المنطلق نرى ان فتح الحدود بين تركيا وأرمينيا بمعزل عن قضية ناغوزني كارباخ سيكون له تأثير سلبي في منطقة القوقاز. مع احترامنا لتركيا وخياراتها وعلاقاتنا معها ستظل على مستوى عال مهما كان خيارها. لكن هنا يمكن ان نشير الى موقف أرمينيا المتشدد تجاه قضية إقليم كارباخ، حتى أنها تراجعت عما توصلنا اليه في الاتفاقيات السابقة مع اقتراب امضاء اتفاق تطبيع العلاقات مع تركيا. اذن، كيف تتصورون الحل النهائي لمجمل هذه القضايا؟ نحن مستعدون لمنح إقليم كارباخ استقلالا على مستوى عال أكثر مما تطلبه القوانين والمواثيق الدولية، لكن في إطار أراضينا وسيادة دولتنا، فالاقليم يمثل 20٪ من مساحة آذربيجان وقد هجّر منه اكثر من مليون أذري خلال الحملة الارمينية. أذربيجان مع حل عادل لجميع الأطراف لا يستثني أحدا ويراعي مصالح الجميع. * المصالحة التركية الأرمينية وشيكة.. وتركيا تعيد صياغة «العالم» تونس (الشروق) شرح الأستاذ محمد العادل الخبير في الشؤون التركية ورئيس مركز «العادل» للدراسات الاستراتيجية، في حديث ل «الشروق الاسبوعي» عبر الهاتف من أنقرة أبعاد وخلفيات الاتفاق التركي الأرميني كما تحدث عن تداعياته المحتملة على صعيد الوضع في منطقة القوقاز. الأستاذ محمد العادل تحدّث ايضا عن تعاظم الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط معتبرا ان ذلك يؤشر لسياسة خارجية تركية جديدة قد تفضي الى ولادة قطب دولي جديد، وفي ما يلي نص الحوار: أستاذ العادل من منطلق متابعتكم للملف التركي الارميني بتجاذباته وتعقيداته هل تتوقعون ان تأجيل الخلافات والتعجيل بالمصالحة بين تركيا وأرمينيا قادر على طي صفحات الماضي العثماني؟ هو ليس تأجيل للخلافات وإنما الاتفاق نص على تشكيل لجنة مشتركة من المؤرخين من البلدين الى جانب مؤرخين مستقلين لإنجاز تحقيق موضوعي. وهذا إن دلّ فهو يدل على وعي الطرفين بضرورة تجاوز الخلافات التي لم تسبب الا الازمات والمزيد من الحقد بين الأجيال المتعاقبة في البلدين. أضف الى ذلك حاجة أرمينيا لبوابة على الغرب في حين تركيا بحاجة للمصالحة مع الجغرافيا المحيطة بها مثل روسيا وأوروبا والعرب. إذن لابدّ هنا من حل سلمي وعقلاني للقضية رغم انه قد يكون على حساب طرف دون آخر او أنه قد لا يحقق كل طموحات البلدين، لكنه يظل خطوة هامة نحو المصالحة، والأجيال المقبلة وستنضج عقلية جديدة لدى الطرفين، في الوقت الراهن الخلافات لم تنته. وهناك احقاد لا يمكن نسيانها لكن مع تشابك المصالح السياسية والاقتصادية ستمهد الارضية للمصالحة النهائية. هل يمكن ان يتم الاتفاق بين تركيا وأرمينيا بمعزل عن قضية اقليم كارباخ الأذري؟ ولماذا؟ في البداية تركيا ساندت دائما أذربيجان باعتبارها امتدادا طبيعيا لها، فالقومية واحدة واللغة والشعب، وهو امر طبيعي ان توجد هذه المساندة المطلقة حتى ان تركيا قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع أرمينيا منذ سنة 1993 تضامنا مع أذربيجان. لكن ما تعيشه تركيا اليوم هو مرحلة لمراجعة حساباتها في المنطقة ككل وهي تستعد لصياغة سياسة خارجية جديدة. ومن وجهة نظري تحاول تركيا الآن اصلاح علاقاتها مع ارمينيا او على الاقل هي تمهد لعلاقات جديدة معها. لكن هناك عاملا آخر الى جانب الوحدة القومية يجعل تركيا تلعب دورا كبيرا في حل قضية كارباخ وهو ان أذربيجان اصبحت دولة تصدّر الغاز والنفط، ووفقا لاتفاق «نابوكو» ستصبح تركيا عبارة عن ممر دولي لهذا الغاز الأذري والنفط الشرق أوسطي. الإشكال القائم هنا هو ان أذربيان تتعامل مع المسألة بشكل انفعالي لكن تركيا تحاول التوصل الى اتفاق ثلاثي وربما تصب زيارة وزير الخارجية التركي لأذربيجان ولقاؤه الذي جمعه لأكثر من ساعتين مع الرئيس الأذري في هذا الاتجاه. إذن، تركيا لن تسمح بإلحاق الضرر بالقضية الأذرية وفي المقابل هي لا تريد ان توقف مصالحها، لأن الاتفاق مع أرمينيا وإن تم بمعزل عن قضية كارباخ، فإنه سيمهد للمصالحة الأذرية الارمينية. وتركيا تؤمن أيضا أنه عبر الحوار يمكنها التوصل لحل في المسألة الأذرية. أستاذ أصبحت تركيا تلعب دورا مهما في القضايا العربية في منطقة الشرق الأوسط، هل يمكن ان يؤثر الاتفاق مع أرمينيا على هذا الدور التركي؟ نعم هذا الاتفاق سيضيف الكثير الى الدور التركي في قضايا الشرق الأوسط، حيث سيعطي مبررات كثيرة الى تركيا بقدراتها على التفاوض في كل ملف مهما كان معقدا. فلقد استطاعت تركيا ان تتعامل مع الملفين الكردي والأرميني من دون عقد ومن منطلق انه يجب ان لا تظل هذه الملفات عالقة الى الأبد وتقريبا هذين الملفين يتميزان بارتباطات دولية وإقليمية، وهو ما سيزيد من تعاظم دورها الاقليمي والدولي خاصة ان تسوية الملفين الأرميني والكردي تعتبر نجاحا للسياسة الخارجية الجديدة التي تتبعها تركيا، كما سيدعم مصداقية أنقرة أمام الرأي العام الدولي. شهدت العلاقات الروسية التركية مؤخرا تقاربا ملحوظا فهل كان لهذا التقارب دور في التوصل الى مسودة الاتفاق مع أرمينيا؟ بالطبع كانت الارتباطات الاقليمية والدولية وخاصة ملف أرمينيا لها دور كبير في تأزم العلاقة بين روسيا وتركيا، لكن بما ان تركيا وكما سبق وقلنا انها في مرحلة إعادة صياغة سياساتها الخارجية، نرى انها تعتمد بالأساس على شيء من التوازن في ذلك. بصورة أوضح تسعى أنقرة الى الحفاظ على علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة هي ايضا في طور فتح قنوات تواصل وتعاون مع اقطاب أخرى منها روسيا. وكدليل على نجاح تركيا في سياستها الجديدة فقد وصل حجم التبادل التجاري مع روسيا الى 11 مليار دولار، كما اتجهت الى الهند والصين. ومن جهتها ترى روسيا ان تعاونها مع تركيا قادر على إيجاد قطب آخر في منطقة القوقاز والشرق الأوسط بخلاف أمريكا كما انها تعلم جيّدا ان علاقة إيران بالدول العربية محدودة على خلاف تركيا التي وطدت علاقاتها مع الدول العربية وهذه أهم صفة في شريك روسياالاقليمي. إذا ومن هذه المنطلقات كان من مصلحة روسيا إغلاق الملف الارميني في أسرع وقت ممكن. ألا ترى ان هذا الاتفاق سيزيد من الضغوط الدولية على تركيا في إطار صراع الدول العظمى على مصالحها في منطقة القوقاز؟ فعلا اصبحنا اليوم نشهد تنافسا حقيقيا بين الولاياتالمتحدةوروسيا على الموارد الطبيعية وخاصة الغاز والنفط. لكن تركيا تحاول ان توازن في علاقاتها وقد تحول هذا التنافس الى تعاون. كما ان روسيا وأمريكا أنهتا مراحل المواجهة وأصبحتا تتحاوران بشكل علني ومباشر حول هذه المصالح، وتركيا هي أحد أهم المعابر بالنسبة لهذه المصالح، لذا فالمستقبل السياسي الدولي في المنطقة يبدو أكثر استقرارا مماكان عليه. على صعيد آخر روسيا تحاول الآن استعادة الدور السوفياتي ووجدت ان ذلك لا يتم الا عبر تركيا، وبالتالي سيكون هناك قطب ثان في المنطقة ونرى ان تركيا ستلعب فيه دورا استراتيجيا. أستاذ العادل ما تزال القضية القبرصية إحدى القضايا التركية العالقة، هل تجدون في الاتفاق التركي الأرميني مصلحة لهذا الخلاف؟ تركيا هي الدولة الوحيدة الحريصة على حل القضية القبرصية وهي قدمت اقتراحات أصدق مما قدّمه الاوروبيون واليونانيون وأصبحت أنقرة تعتبر ان تلك المسألة تحولت الى عبء عليها حيث انها توفر ميزانية جمهورية قبرص الشمالية. كما انها أصبحت تمثل عائقا في المفاوضات حول انضمامها الى الاتحاد الاوروبي. وبالرغم من ان الاتفاق التركي الأرميني ليس له علاقة بالقضية القبرصية الا انه سيدعم صدقية تركيا لدى الرأي العام الأوروبي واليوناني، وسيشجعهم على القبول بمطالب القبارصة الأتراك. في الختام أستاذ محمد العادل، من منطلق اطلاعكم على هذا الملف، هل تتوقعون ان يوافق البرلمان التركي على هذه الاتفاقيات مع أرمينيا؟ في تقديري المسألة واضحة في الجانب التركي والبرلمان سيصادق على هذه الاتفاقية فالحزب الحاكم «العدالة والتنمية» يمتلك الأغلبية وهو قادر على المصادقة عليها بالرغم من التحفظات. ويمكن ان تكون هناك عديد التحفظات على هذه الاتفاقيات لكنها ستترك للزمن وللأجيال القادمة ليقرروا ان كان ذلك صوابا أم لا.