بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي يأتي عيد الاضحى المبارك، يعيشه المسلمون بشتى أجناسهم محاولين أن ينتزعوا من عمر الزمن لحظات يسمونها عيدا، يتصافحون ويصفحون، يتفقدون بعضهم، هي لحظات صفاء ووئام، أسميها لحظات رغم أنها تمتد على عدة أيام (الاضحى في الشرق يسمى العيد الكبير ويمتد على أربعة أيام) ولكنها من عمر الزمن الهرم هي مجرد لحظات. أتذكر العراق الذي صار بعيدا، نأى عنّي رغم محاولتي في أن أشدّه إليّ، وأتمسّك به وذلك في محاولاتي المتواصلة بأن أكتبه، فهذه الكتابة هي وسيلتي في أن أستعيده صافيا وجميلا وواسعا ومتسامحا ومحبا رغم كل ما فعلوه به، قاتلهم الله جميعا من غزاة الى حاكمين أتباع يمدون ألسنتهم لاهثين على حكم لا يملكونه إلا بالإسم، وبئس ما ملكوا، وبئس ما ظنوا أنهم قد فازوا به. أية حياة بقيت للذين هناك؟ أية أحلام؟ لقد اغتيلت الأحلام وأجهضت الأماني وسلبت الآمال، وتحول شعب كامل الى مسيرة سبي قاتمة، سوداء، خطواتها المكبلة تغرقها في الحفر الموحلة الملأى بالدم والقهر والأوبئة. إنّ من يتطلع الى هذا الحشد من الفضائيات التي تنتسب الى العراق سيرى العجب العجاب، سيستمع الى الرطانة في أبشع صورها إذ أن الكل يتكلمون، ولكن من دون أن يسمع أحدهم الآخر، كل واحد ينطق بما صبّوه في رأسه من كلام، وليس بينهم من يرى أبعد من أنفه، من يفكّر بالغد، بالناس، بالآتي، بأبنائه هو، بأحفاده، كأن اللحظة المعتوهة هذه هي الزمن كلّه، كأنها البداية والنهاية. أحزاب وتكتلات وأشخاص ومسميات بلا عدّ ولا حصر، وكل جبهة تريد الفوز على حساب الأخرى بأي ثمن كان، لا أحد يفكر في محنة وطن، يعيشون وهم ما يسمونها العملية السياسية، وما هي إلا اغتيال لوحدة وطن وتاريخه وكبريائه، ولكن من بين هؤلاء يهمه الوطن؟ ما الذي يعنيه أمره؟ الأكراد يظنون أن هذه فرصتهم لقضم المزيد من العراق الواحد، يحلقون على أجنحة بالية بأن كيانا لهم سينبت فوق أرض العراق بعد أن حوّله الأمريكان الى قطع متناثرة، وبدأوا بمدّ إقليمهم بواسطة «البيشمرغة» التي كانت عونا للمحتلين منذ البداية بحيث أرقصوا بعض شبابهم بالدبكات التقليدية أمام غارنر أول حاكم عسكري للاحتلال الأمريكي بدون حياء، فابتهج وردّد أنه يحسّ وكأنه بين أهله أو كلاما من هذا القبيل، في وقت كان فيه الوطنيون العراقيون يقاومون، ويوقعون بالعدو المدنس للأرض والعرض والتاريخ الخسائر المرّة. وكان جنود الاحتلال ينتهكون كرامة المواطنين ويكدسون جثثهم في ثلاجات الطب العدلي ومن يسلم مصيره سجن أبو غريب وصمة العار الأزلية في جبين الاحتلال وعملائه. نعم، الشعب يسحق والأكراد يرقصون لغارنر بأوامر من زعاماتهم برضاهم أو رغما عنهم، فاحتلال العراق عيد لهم لأنهم أكبر المستفيدين منه ومعهم حلفاؤهم في المجلس الأعلى وقوات بدر وكل التجمعات والفصائل الطائفية. صار رئيس الجمهورية كرديا، هكذا بمشيئة المحاصصة، وصارت الخارجية كذلك، وحاز الأكراد أيضا على أكبر نسبة من السفراء والقائمين بالأعمال حتى في أعرق البلدان العربية هذا إضافة الى أن لإقليمهم سفراء موازين في عدد من البلدان العربية والعالمية. وليت كل هذا يتم تحت جناحي العراق، بل انها مرحلة فقط، يطلقون على أنفسهم كردستان العراق إذ حشروا في زاوية، أكراد فقط أو (كورد) كما يودون أن يكتب إسمهم. وعندما جمّدت اللجنة الأولمبية الدولية عضوية العراق بعد أن حلّت لجنته المنتخبة ووضع بدلا عنها مجموعة من أتباع المالكي بادر اتحاد الكرة الكردستاني بتقديم طلب للجنة الأممية لاستثناء اتحادهم، أما السبب الذي أوردوه مسوغا فهو أنهم ليسوا عراقيين!! هكذا قالوها. وكانت اللعبة المشينة التي حصلت في نسبة النواب للمحافظات العربية في الشمال والوسط، فالهاشمي (نائب رئيس الجمهورية الحالي) اعترض على عدم تمثيل المهجرين واللاجئين العراقيين بنسبة توازي عددهم نائب لكل مائة ألف مواطن)، فهل هذا ظنا منه أنه سيحوز على رضا هؤلاء بعد أن صارت له قائمة انتخابية خاصة به، فإذا بالجواب يأتيه من مجلس النواب ذي الهوية العرقية والطائفية المعروفة بأن تم تقليص عدد النواب في المحافظات العربية في الشمال والوسط، وأضيفت للقائمة الكردية أسماء أخرى وأصبحت نسبتها أكبر. شمل هذا محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين وبغداد. أما المهجّرون واللاجئون رغم أنهم يزيدون على الخمسة ملايين فإن تمثيلهم سيكون بثلاثة نواب، وقد أفتى جهابذة البرلمان بأنهم لو منحوا عددا من النواب وفق النسبة المقررة (نائب لكل مائة ألف) فإن البعثيين سيفوزون لأن كل هؤلاء اللاجئين هم من البعثيين وأعوان النظام السابق. أمام مأساة العراق هذه كيف يمكن للعراقيين أن يحتفلوا بالأعياد الدينية؟ بأية روحية يجرؤ أحدهم بأن يقول للآخر: عيدك مبروك؟! ثم هناك المأساة الماثلة الحية والمتجددة بأن أول أيام عيد الاضحى المبارك شهد شنق الرئيس الشرعي للبلاد إمعانا في الحقد وعدم احترام المشاعر، فخسروا هم وتألق المعدوم وتحول الى رمز حتى لمن عادوه أو كانوا مختلفين معه طيلة فترة حكمه. أعياد العراق ضاعت، تبدّدت، والفرح لم يعد مهنة أحد مع الاعتذار للشاعر الراحل الكبير محمد الماغوط. لكن العراق سيتعافى وينهض و(أعراس بنات آوى) هذه ستذهب.