ونحن على هامش احتفال بلادنا بمائوية المسرح التونسي لطالمنا تداهمني موجة من الاسئلة الحارقة حول مصير بعض الفرق المسرحية القارة بالجهات وخاصة منها التي لم تعمّر طويلا والتي تأسست جلها خلال سنة 1968 بعدما اهتدت وزارة الثقافة في الاشهر القليلة من سنة 1968 الى الشروع في بعث الفرق المسرحية القارة بالجهات وتشجيع بلديات المدن الكبرى على إنشاء الفرق المسرحية المحترفة على غرار الفرقة المسرحية لبلدية تونس العاصمة. وأعتقد أن الاهتداء الى ذلك المشروع كان نتيجة رد فعل من طرف وزارة الثقافة لتطويق خريجي مركز الفن المسرحي الذي بدأ يستفحل في تلك الفترة وليس كمشروع ثقافي استراتيجي حضاري بعيد النظر والمدى... ومن بين الفرق المسرحية التي سرعان ما انحلت بعد مدة قصيرة من تأسيسها نجد فرقة بلدية بنزرت للمسرح التي أشرف على إدارتها الفنية الفنان المسرحي عبد اللطيف الحمروني والممثل الاستاذ ابراهيم مستورة... هذه الفرقة المحترفة التي لم تعمّر طويلا سوى سنة واحدة، أنتجت خلالها عملين مسرحيين هما «فولبوني» تأليف جون رومان (وهي أول عمل مسرحي يشارك فيه ابراهيم مستورة بدور بطولي بعد تخرّجه من مركز الفن المسرحي بتونس) وعرضت أمام الزعيم الحبيب بورڤيبة في زيارته الى بنزرت بمناسبة الاحتفال بعيد الجلاء فأعجب بها كثيرا وأوصى رئيس بلدية بنزرت في تلك الفترة بمضاعفة تقديم العون لهذه الفرقة الناشئة... لكن السيد رئيس البلدية والمجلس البلدي عموما عملوا عكس ما أوصاهم به بورڤيبة تماما، إذ بادروا بحل الفرقة، ليلة حصول مسرحيتها الثانية «براكسا جورا» تأليف توفيق الحكيم على الجائزة الاولى في الملتقى الوطني للفرق المسرحية المحترفة بتونس. ومن أسباب حل هذه الفرقة هو أن المجلس البلدي ببنزرت آنذاك بعد دراسته لملف الفرقة، والاطلاع على النتائج المشرفة التي حققتها على المستوى الفني تبين أن مصاريفها كثيرة ومداخيلها قليلة (هكذا) فلقد تعاملوا مع فرقة مسرحية كتعاملهم مع مؤسسة اقتصادية فقيّموا نجاعة العمل الثقافي من خلال الربح والخسارة المالية ولم يدر في خلدهم أن مردود العمل الثقافي يتجاوز في قيمته الادبية المصاريف المالية التي صرفت من أجله... إن القرار القاسي الذي اتخذته بلدية بنزرت في تلك الفترة في شأن فرقتها المسرحية تسبب في القضاء على خلق تقاليد مسرحية محترفة ببنزرت. ولو أنه راجت خلال الايام القليلة الماضية أخبار مفادها أن احدى المؤسسات الاقتصادية الهامة والمستثمرة في جهة بنزرت تسعى الى تبني الفرقة وإعادة إحيائها. وبقدر ما نشجع هذه البادرة الطيبة التي أقدمت عليها هذه المؤسسة بقدر ما نقدم هذا الخبر باحتراز شديد الى أن تبرز صحته مع مر الايام. وعودة فرقة بلدية بنزرت للمسرح سيشكل حتما منعرج هام في تاريخ الحركة المسرحية بالجهة خاصة وأن بنزرت تعج اليوم بالعديد من الاسماء المسرحية المرموقة كالهادي المرنيصي والجيلاني الكبيّر ورضوان الهذلي، درّة مفرّج، سمية معتوق، نايلة حرابي وحسناء المرنيصي، بشير خمومة، كمال الكعبي دون أن ننسى أبناء مدينة منزل عبد الرحمان تلك القلعة المسرحية الخصبة على الدوام التي أنجبت ابراهيم مستورة ومحمود سحيق ونبيل ميهوب والدكتور محمود الماجري وزهرة الدريدي...