قال مزارعو حبوب من ولايتي بنزرت وباجة وبعض مناطق الشمال الغربي إنهم وجدوا في الأيام الأخيرة بعض الصعوبات في التزود بالبذور الممتازة من القمح الصلب واللين و«القصيبة» خاصة أن موسم البذر حلّ وأن أغلبهم قام بعملية الحرث ولم يعد الوقت يسمح لهم بمزيد الانتظار... وأكدوا في السياق ذاته أن هذه الصعوبة في التزوّد بالبذور الممتازة لم تهم سوى صغار الفلاحين أما كبار مزارعي الحبوب وشركات الإحياء فقد سار نسق التزود عندهم بشكل عادي ولم يواجهوا أي إشكال وهو ما ساعدهم على إنهاء عملية البذر في إبّانها... ومن جهة أخرى أشاروا إلى ارتفاع أسعار بعض هذه البذور الممتازة، وقال أحد الفلاحين في اتصال ب«الشروق» إن سعر أحد الأنواع المعروفة قفز من 70د إلى 86د للقنطار الواحد... وعبّروا بالتالي عن تخوفهم من تواصل هذا النقص في توفّر البذور الممتازة بما قد يعطل عملية البذر عندهم ويكلفهم تكاليف إضافية لأنه في صورة نزول الأمطار بكميات كبيرة في الأيام القادمة فإن كثيرين سيضطرون لإعادة حرث الأرض وتهيئتها من جديد للبذر إضافة إلى التخوف من مزيد تواصل ارتفاع الأسعار ومن ظهور الاحتكار والمضاربة خاصة في ظل التطور الذي تشهده زراعة الحبوب وإقبال الفلاحين عليها نظرا لمردوديتها المالية المحترمة. تغيير حسب ما ذكره الفلاحون «المتذمرون» ل«الشروق» فإن بعضهم أصبح يفكّر في تغيير «برنامجه الفلاحي» وذلك بتعويض زراعة الحبوب بزراعة أخرى (الفول الحمص...) خوفا من عدم الحصول على البذور الممتازة في الإبان. ومن جهة أخرى فإن بعض المزارعين أصبحوا يفكرون في الاعتماد على البذور العادية التي حصلوا عليها من إنتاجهم الذاتي في صابة الموسم الفارط رغم عدم توفّر الجودة اللازمة بها عكس البذور الممتازة التي يقع انتقاؤها من صابة الموسم الماضي ومعالجتها بأدوية وعقاقير خاصة تحسّن من مردوديتها وتجعلها قادرة على الصمود أمام الأمراض المحتملة. وحسب المختصين فإن ما يفكر فيه بعض هؤلاء الفلاحين من شأنه أن يقلص من إنتاج الصابة القادمة ويقلّص أيضا من الجودة وهو ما يجعل من الضروري التفكير في هذا الأمر من قبل المصالح المعنية بوزارة الفلاحة والموارد المائية. إقبال وزيادة حول هذا الإشكال وما سببه من مخاوف لدى الفلاحين، قال مصدر من وزارة الفلاحة والموارد المائية أن النقص في توفّر البذور الممتازة ظرفي لا غير وفرضه الإقبال المتزايد عليها منذ بداية الموسم الحالي حيث بلغت المساحات المزروعة حبوبا إلى حدّ الآن 621 ألف هك أي بزيادة بمائة ألف هك عن المساحة المزروعة خلال الفترة نفسها من الموسم الماضي (أواخر نوفمبر) والتي كانت في حدود 521 ألف هك. هذه الزيادة في المساحات المزروعة حبوبا جاءت كنتيجة طبيعية للتشجيعات المتواصلة من قبل الدولة على زراعة الحبوب وخاصة الترفيع في سعر البيع عند الإنتاج وقد أثر ذلك على الإقبال على البذور الذي ارتفع نسقه في الموسم الحالي ممّا ولّد ضغوطات على الكميات المتوفرة... تحسيس من جهة أخرى ذكرت المصادر نفسها أن حملات التحسيس على اعتماد البذور الممتازة في زراعة الحبوب التي أطلقتها وزارة الفلاحة والموارد المائية مطلع الموسم الحالي وجدت صدى طيبا في صفوف مزارعي الحبوب حيث أصبح أغلبهم يفضل الاعتماد على البذور الممتازة عوضا عن البذور العادية التي قد يقتنيها من السوق أو قد يوفّرها ذاتيا من صابة الموسم الفارط... وهذا ما خلق بعض الضغوطات على البذور الممتازة بلغت إلى حد الآن 255 ألف قنطار من جملة 350 ألف قنطار مبرمجة لهذا الموسم حيث تقول المصادر إن كل كمية معروضة تنفد في يوم واحد وبسرعة فائقة... وذكرت المصادر ذاتها أنه لا داعي اليوم إلى التخوّف من اختفاء البذور الممتازة من السوق لأن الكميات المتبقية (حوالي 100 ألف قنطار) مازالت في طور التحضير ويقع تزويد السوق بها تدريجيا وهي كمية كافية لتسديد كل الطلبات في الأيام القليلة القادمة خاصة بجهتي بنزرت وباجة وبالتالي فإن النقائص المسجلة هي ظرفية لا غير وسيقع تجاوزها في الأيام القادمة خصوصا أن رئيس الدولة أوصى بتوفير كل متطلبات النجاح للموسم الفلاحي لا سيما زراعة الحبوب وأيضا بتطوير أساليب الإنتاج ومنها خاصة اعتماد البذور الممتازة. وفي هذا الصدد كان وزير الفلاحة والموارد المائية السيد عبد السلام منصور قد أوصى خلال جلسة عمل انعقدت منذ أيام بمقر الوزارة على ضرورة أخذ طلبات صغار الفلاحين بعين الاعتبار وتمكينهم من قسطهم من البذور الممتازة دون تمييز بينهم وبين كبار الفلاحين وشركات الاحياء.. كما أوصى بضرورة توسيع مساحات إكثار البذور الممتازة قصد مجابهة كل الطلبات في الموسم القادم.