أبوظبي «الشروق»: من مبعوثنا الخاص محمد علي خليفة تخيّل مكانا يجتمع فيه الابتكار والتكنولوجيا والاستدامة لبناء مدينة فريدة من نوعها، وتخيل مدينة جميلة مفعمة بالحياة تغذيها الطاقة المتجددة وتعتمد معايير مبتكرة في مبانيها ومقاييس جديدة للحياة المستديمة فيها. إنها مدينة «مصدر» أول مدينة خالية تماما من انبعاثات الكربون والنفايات في العالم.. هذه المدينة التي يتم بناؤها حاليا في أبوظبي ستكون واحدة من أروع مدن العالم وستوفر أرقى الخدمات العصرية وستصبح موطنا لنحو 90 ألف شخص بينهم 40 ألف قاطن و50 ألف زائر يوميا. ويتم تشييد المدينة حول ممرات مشاة ضيقة ومظللة تصل بين الساحات العامة المكشوفة من جهة والمنازل والمدارس والمطاعم والمسارح والمتاجر من الجهة المقابلة، وقد استوحي التصميم المعماري للمدينة من الأسواق التقليدية التي يزخر بها العالم العربي ويجمع المخطط الرئيسي للمدينة قرنا من التخطيط العمراني وفن العمارة العربيين مع توفر أحدث المبتكرات التقنية لإيجاد بيئة حياة عالية الجودة لجميع السكان. وسيتم بناء المدينة على سبع مراحل مدروسة بعناية باستخدام آخر ما توصلت إليه التقنية في مجمع الصناعات النظيفة المتطورة الذي تضمّه المدينة نفسها وعلى مستوى العالم. وسترتقي مدينة مصدر بالمعيشة ومفهوم التنمية المستديمة إلى مستوى رفيع جديد وتساعد العالم في فهم كيفية بناء مدن المستقبل، وتعدّ المدينة مجمعا للتكنولوجيا النظيفة نجح في استقطاب أفضل ما يجود به العالم في مجال التنمية المستديمة بدءا من الطاقة المتجددة وانتهاء بالوقود الحيوي. هذه المدينة الفريدة هي بمثابة مجمع للتقنية المتطورة بنظام المنطقة الحرة، وسيكون للباحثين والأكاديميين والطلبة ورجال الأعمال والممولين إضافة إلى أكثر من 1500 شركة مبدعة، مكاتب ومراكز أبحاث علمية في المدينة مستفيدين من نظام التملك الحرّ والاعفاء الضريبي مع عدم وجود أي قيود على حركة رأس المال.. مدينة مصدر لم تعد مجرد فكرة بل أصبحت حقيقة واقعة، وقد بدأت المرحلة الأولى لبنائها فعليا، وبدأت العديد من الشركات العالمية الرائدة تفد إلى أبوظبي لتنضم إلى المدينة وتشاركها هذه الرحلة الطموحة لبناء مدينة مصدر والعمل والعيش فيها، كما أطلقت المدينة حملة تسويقية عالمية لجذب شركاء القطاع وحثهم على المشاركة في هذه المبادرة التاريخية. ولعلّ خصوصية هذه المدينة تجعل كل خطوة محسوبة، ولتحقيق أهدافها في الاستدامة وتوفير بيئة خالية من الكربون والافرازات الملوثة تتطلب مدينة مصدر أنماطا حديثة وموثوقة للنقل والمواصلات بما يحدّ من استخدام السيارات الشخصية التقليدية من قبل الزوار والقادمين إلى المدينة، ولذلك تعمل «مصدر» على تطوير نظام وسائل نقل شخصي سريع من شأنه أن يكفل للراكب خصوصية السيارة التقليدية الخاصة (دون تلويث للمحيط) ونظام القطارات العامة الخفيفة ضمن المدينة كجزء من المخطط الأساسي للنظام ذاته في أبوظبي. أما في ما يتعلق بالبنية التحتية وإدارة المدينة والعقارات فتحتاج مصدر إلى التعاون مع شركات مختصة في مجالات التطوير وإدارة المشاريع وإدارة الأعمال والأصول والعقارات والمرافق فضلا عن حاجتها لمشغلين في قطاعات مثل الضيافة والتعليم والصحة وسيكون قسم إدارة المدينة مسؤولا عن الإدارة الفاعلة والعمليات في المنطقة الحرّة لمدينة مصدر، وسيتضمن هذا القسم اختصاصات مثل التخطيط والتمويل العمراني وإدارة شؤون القاطنين إضافة إلى توفير الخدمات الاجتماعية والتعليمية والأمنية. ومن خلال تعاونها مع مجموعة واسعة من أصحاب المصالح والشركاء تمتلك مدينة مصدر كافة المقومات التي تؤهلها للعب دور استراتيجي طويل الأمد في سوق الكربون العالمية التي تشهد نموا متسارعا. وتوفر وحدة إدارة الكربون في مدينة مصدر حلولا شاملة تتيح تحقيق خفض كبير ومتواصل في انبعاثات الكربون، ولدى الوحدة جملة من المشاريع المتنوعة حيث تركز حايا على نشاطين أساسيين هما خفض الكربون ومقايضته بقيمة مادية والتقاط وتخزين الكربون، وهذا المشروع الأخير الذي يحظى بالتزام تام من حكومة أبوظبي من شأنه أن يشكل العمود الفقري لاقتصاد جديد أكثر نجاعة وأقل كلفة وأنفع للبيئة والمحيط في أبوظبي. إنه حلم يتحقق ببناء مدينة تجمع بين روعة المعمار والحفاظ على المعالم العربية فيه وبين النجاعة الاقتصادية القائمة على ثنائية الانتاج الوفير باعتماد أرقى التكنولوجيات والحفاظ على البيئة بما يعزّز من جهود تحقيق التنمية المستديمة في دولة تعلن حكومتها الاتحادية رسميا التزامها بهذا الهدف وتسخر كل طاقاتها من أجل تحقيقه.. إنها «المدينة الذكية» أو «المدينة الفاضلة» بمقاييس هذا العصر الذي سيطر فيه هاجس الكسب المادي السريع والنجاعة المادية على حساب القيم.. «مصدر» ستكون إذن مصدرا لرخاء عشرات الآلاف من الاماراتيين ومصدر فخر لهم جميعا.