هل التكاتف والرحمة يوم واحد هو يوم العيد؟ عندما نقول «كل عام وأنتم بخير» هو عام كامل مسترسل، وليس يوم العيد فقط، كلمات تمتلئ بالصدق والمحبة، لا كلمات جوفاء تخلو من أي معنى تقال للمجاملة ورفع العتب، والمجاملة كالنفاق أنواع ودرجات، بعضه نفاق صريح وواضح، لا لبس فيه ولا غموض، وبعضه نفاق صريح وفيه لبس وغموض، ويعتبر من باب المجاملة، وأنا أكره الحالتين، لا أحب النفاق، وتستفزني المجاملة، وكمية النفاق في أعيادنا تفقدها قدسيتها، إتباع التقاليد هو اتباع القدماء. القدماء هم الأوائل. عاشوا في الماضي. ولكل زمن عاداته وتقاليده وأعرافه. الزمان متغير، والتقاليد تتغير بتغيره. التقليد اشتقاقاً يعني الاتباع في حين أن التجديد يعني الإبداع. ويتهم أنصار التقليد أنصار التجديد بالابتداع. وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فيؤثر الناس السلامة والاتباع عن غير اقتناع. ويتبع الناس العرف وهو العادات الشعبية السائدة. وتحول التيارات المحافظة في المجتمع هذه العادات والأعراف إلى ثوابت مع أنها متغيرة بتغير المجتمع. ومنها عادات ترجع إلى صدر الإسلام والفتنة الأولى مثل التلاعن، وعن عثمان بن عفان رضي ا& عنه (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، وأدبيات الطاعة: الحياة هي الحاجات الأساسية للناس من طعام وشراب ولباس وسكن وتعليم وعلاج. والعقل هو حق الإنسان الطبيعي في المعرفة والفكر والنظر. والدين هو الثوابت العامة التي يجتمع عليها الفقهاء. والعرض هو الكرامة الشخصية والوطنية. والمال هو الثروة الفردية والثروة العامة. ولما كان المجتمع يتقدم بصرف النظر عن أساليب الضبط الاجتماعي، تنقسم الحياة إلى ظاهر يتبع التقاليد والأعراف والعادات، وباطن يتبع تطور الحياة وتغير قواعد السلوك الاجتماعي. فتنشأ مظاهر النفاق والرياء والتظاهر والكذب. قول باللسان لا يقتنع به القلب. وسلوك في الظاهر لا يتم عن إيمان بالباطن. وتصبح الحياة كلها حجاباً في الظاهر، وسفوراً في الباطن. ويعيش الإنسان بشخصيتين. ويقابل المجتمع بوجهين. وجه يرضاه المجتمع، ووجه آخر يرضاه الفرد، لا يجرؤ على التعبير عنه صراحة. ويكون له سلوك اجتماعي علني، وسلوك آخر فردي سري. الأول كاذب، والثاني صادق. فإذا ما تجرأ أحد على الإعلان والتمسك بالوجه الواحد والسلوك الواحد والشخصية الواحدة تم إقصاؤه واستبعاده واتهامه بالردة والكفر، وكان جزاؤه القتل الصريح. ويؤثر البعض السلامة والرضا بالسلوك الاجتماعي، وينغمس في الدنيا ينهل منها بالحلال. والأرزاق مقدرة مسبقاً. ومع ذلك ظهرت نماذج ثائرة على هذا القهر الاجتماعي في التاريخ، في كل عصر، وفي كل ثقافة، ولدى كل شعب. ثار سقراط على تعدد الآلهة عند الأثينيين، فاتُّهم بإفساد الشباب. وحُكم عليه بالموت سماً. ورفض الهرب درءاً للظلم وهو رذيلة، طاعة لقوانين البلاد وهي فضيلة. وثار ديكارت على عادات العصر الوسيط في التفكير والتعلم. وثار اسبينوزا على العقائد اليهودية مثل «شعب الله المختار» و«أرض الميعاد». وحُرق جيوردانو برونو حياً في روما لأنه قال بعقيدة مخالفة للفلك السائد ولتصور الإنسان. وثار مارتن لوثر على الكنيسة رافضاً توسطها بين الإنسان والله، واحتكارها لتفسير الكتاب المقدس وتبعيتها لسلطة الآباء الأولين. قُدِّم المفكرون الأحرار الذين رفضوا عادات وتقاليد وأعراف القدماء أمام محاكم التفتيش في أواخر العصر الوسيط الأوروبي. وكان جزاؤهم القتل أو الحرق أو التعذيب أو النفي أو السجن. وفي تاريخنا القديم حدث نفس الشيء. فقد ذبح الجعد بن درهم يوم عيد الأضحى أسفل المنبر لأنه كان معارضاً للحكم الأموي ويقول بقدرة الإنسان على الاختيار. وقتل أبو نواس بتهمة الزندقة. وصلب الحلاج بتهمة الخروج على العقائد. وذبح السهروردي لقوله بحكمة الإشراق.