تعودت ذاكرتنا البصرية ألاّ تستحضر الآلة الموسيقية الهوائية «الزكرة» إلا مقترنة بأوداج رجالية منتفخة وعينين جاحظتين.. أما أن تكون المرأة هي العازفة على هذه الآلة فالأمر يدعو الى الاستخبار.. سمر بن عمارة صاحبة عرض «علاش لا» الذي ستحتضنه دار الثقافة ابن رشيق يوم السبت 12 من هذا الشهر توضّح الصورة من خلال حوار أردناه أن يفصّل خبرا مجملا عنها كيف لآنسة مثلك أن تتجرّأ على آلة عزف لا يقدم عليها إلا الصناديد من الرجال؟ نعم أنا أقر بصعوبة العزف على هذه الآلة فهي تحتاج الى جهد خاص في النفخ خاصة في بداية التعاطي معها في مرحلة التعلم لكن هذه المسألة تصبح بعد الدربة والتمرّن يسيرة عند التمكن من تقنيات العزف.. لكن دعني في البداية أذكر بأن اختصاصي الأكاديمي هو العزف على الناي وأنا متحصلة في ذلك على شهادة الأستاذية بل أنا المرأة التونسية الوحيدة الأكاديمية في هذا الاختصاص، أما إذا أردت أن تتحدث عن «الزكرة» فقد تعرفت عليها أثناء مطالعاتي في الاتنولوجيا الموسيقية أوعلم موسيقى الشعوب ووجدت أنها آلة على غاية من الأهمية. هل لك أن توضحي هذه الأهمية؟ هذه الآلة هي على غرار كثير من الآلات الموسيقية جامعة للشعوب: هي «الزكرة» في تونس، وهي «الغيطة» في الجزائر والمغرب وهي «الزرنة» في تركيا وهي ال haut Bois paupulair في فرنسا.. وأنت تجدها في الهند واسبانيا وحيثما ولّيت وجهك.. هي آلة تراثية إنسانية بامتياز. ألست تبالغين؟ «الزكرة» هي في نظر عامة الناس مجرّد آلة نفخ في الموسيقى الشعبية؟ نعم هي كذلك لكن من ذا الذي يقول ان الموسيقى الشعبية أو الفلكلور أدنى قيمة من الموسيقى الكلاسيكية؟ لقد أثبت علم الاتنولوجيا الموسيقية أن كل تراث موسيقي ينضوي على ثراء مخصوص في علاقته بسياق أدائه ووظائفه الاجتماعية وليس هو مجرد ممارسة بدائية للفن. «الزكرة» مثلا فيها سبعة منازل ومن ثمة يمكن اعتبار سلمها الموسيقي على درجة جيدة من الاكتمال وهي إذن جاهزة لعزف المقامات والطبوع المختلفة. وقد عُرفت بها فعلا مقطوعات من الموسيقى الكلاسيكية على غرار «هو صحيح الهوى غلاب» لأم كلثوم وأنت تجدها في عزف الجاز والبلوز تؤدي المهمة بشكل متقن.. وعموما «الزكرة» هي آلة تراثية يمكن الاستفادة منها كثيرا في الموسيقى الحديثة بحسن توظيفها. من هم رموز العزف على هذه الآلة في تونس حسب اطلاعك؟ يعجبني كثيرا عزف الشيخ «بُودَيْ» وهو علم مبدع في هذا المجال. المرحوم اسماعيل الحطاب كذلك لا يسع المستمع إليه إلا أن ينجذب الى أدائه للعزف والغناء.. ثم ان حضور «الزكرة» في الانشاد الصوفي على غرار «العيساوية» و«القادرية» و«العوامرية» و«الحضرة الصفاقسية» حضور متميز يصل الي درجة كبرى من الابداع والجمالية الفنية. طيّب، سيتاح لك مجال الابداع أمام الجمهور بمناسبة عرضك «علاش لا»، فكيف ستؤثّثينه؟ بداية ليست هذه هي المرة الأولى التي أعرض فيها عزفي أمام الجمهور فقد سبق لي الأداء في كثير من التظاهرات الثقافية والموسيقية في تونس وخارجها وقد كان ذلك مثلا في اختتام مهرجان مبدعين شبان في دورة 2006 وفي افتتاح مهرجان العزف المنفرد في سوسة سنة 2009 وفي افتتاح الاحتفال بشهر التراث في صفاقس سنة 2009، وفي المهرجان العالمي للموسيقى FIMU بليون بفرنسا.. كما عزفت أمام الجمهور على هامش مهرجان «طرطوزة» الاسبانية للمسرح. أما ما سيكون في دار الثقافة ابن رشيق يوم السبت 12 ديسمبر فهو عرض موسيقي آلاتي سينجز على جزءين: جزء أول سأعزف فيه على آلة الناي مرفوقة بإيقاع وعزف على القيتار تكريما للفنان القدير المرحوم «قدور الصرارفي» كما سأقدم معزوفات لمراجع فنية شرقية على غرار عازف الكمان المصري «عطية شرارة» وعازف القانون التركي «قوقسال بكتجير» الذي سأحاول تحويل معزوفاته على آلة القانون الى معزوفات على آلة الناي.. أما القسم الثاني من العرض فسأعتمد فيه أساسا على «الزكرة» لعزف مقطوعات أخرى تخليدا لذكرى الاتنوموزيكلوغ المجري «بيلا برتوك» هذا العالم الذي أسهم بشكل كبير في تدوين التراث الموسيقي الشعبي الجزائري والمغاربي عموما.. وفي العرض سأقدم كذلك مفاجآت غير منتظرة.. في الختام ماذا تقولين؟ «علاش لا» هو إعلان أن لا مانع حقيقي من أن تعزف فتاة على آلة الزكرة.. وهو إعلان عن أن تراثنا الشعبي الموسيقي ثري جدا وأن فيه الكثير مما يستحق البحث وحسن التوظيف.. وهو إعلانات أخرى كثيرة أدعو أهل الرأي والجمهور الى اكتشافها في العرض. حاورها: رياض البعطوط و سمر بن عمارة