maitre mounirbensalha@ gmail.com لا تزال الى اليوم تلاحقني صورة صديق كان مولعا جدا بتوجيه النصائح للآخرين وكان يشعر بسعادة قصوى عندما يرى المحيطين به مخلصين لتوجيهاته التي كانت تأتي على لسانه في اغلب الأحيان مقتضبة وحازمة ولا أزال اتذكره عندما قطب جبينه يوما وعقد حاجبيه وقال لي ناصحا كالعادة «تكلم في كل شيء الا في السياسة» ولا أزال منذ ذلك اليوم أفكر كيف يمكن أن يتحدث المرء في كل شيء الا في السياسة ولا أزال ايضا حتى اليوم أحاول أن أرسم حدودها وأحدد مجالها وأعرف متى تبدأ وأين تنتهي حتى علمت انها متغلغلة في كل شيء وانها صارت قدرنا كلما تكلمنا او فكرنا وأن الحياة كلها لا طعم لها خارجها فكيف نتكلم في الرياضة دون ان نتحدث في السياسة وكيف نناقش مناهج التعليم وأزمة المواصلات وقانون الصفقات وواقع المسرح والأجور الدنيا المصرح بها وتلوث البيئة وحرية الاعلام ومسألة العنف في الملاعب وظاهرة الرشوة وتطور الجريمة وانهيار المباني والمبادئ وخوصصة المؤسسات وتأميمها واستيراد العمالة والبطالة أحيانا دون أن نلامس حدود السياسة فكل هذه المسائل لا يمكن للمرء ان يحللها دون ان تكون له في ذلك رؤى ومواقف. ونحن لا نلهث خلف السياسة ولكنها تتسرب لنا أحيانا من مسائل أخرى فتأتينا مرة من الرياضة ومرات من الاقتصاد وأحيانا تطل علينا من خلف بيع المواشي والأبقار فكل الكلام من الممكن ان تقف خلفه السياسة هذه العبارة التي عادة ما يتوجس العامة خيفة منها في حين يتعرض المختصون لها دائما بكل تلقائية فيتحدثون عن السياسة التعليمية وعن السياسة الاقتصادية وعن سياسة التنمية وعن السياسة الخارجية والداخلية والغذائية... فكل شيء ينبض بالسياسة فكيف توقيها وهي كامنة تشع من كل الجهات ؟؟؟ فهي قدرنا الذي يطلع لنا مرة من صفحات الكتب والأشعار وأحيانا من حديث المقاهي والملاهي وينطق بها المثقفون والأميون والصبية والعجائز والمتمدنون والقرويون وكل يتكلم فيها وعنها بما يحتكم عليه من مفردات التعبير فهل يمكن لنا ان نتجنب حينئذ التحدث فيها؟؟ لقد فكرت مليا في قول ناصحي بأن أتكلم في كل شيء الا في السياسة وعلمت ان نصيحته هدية ملغومة غايتها حرماني نعمة النطق ...