mounirbensalha@ gmail.com "القانون لا يحمي المغفّلين" عبارة تداولتها العامّة في مرحلة أولى ثم وبعد مدّة بدأت ترتقي الى مرحلة الحقيقة وصارت محاطة بهالة من التّقديس والاجلال وصار مجرّد التّشكيك فيها ضربا من ضروب البدعة والالحاد. لذلك انصاعت النخب الى قناعات العامّة وصارت هذه المقولة التي كانت في البدء متداولة في المسلسلات التلفزية، مبدأ قانونيا لا يطاله الشك لا من خلفه ولا من أمامه، حتى أنني صرت أخشى ان أراه يوما موضوعا من مواضيع أطروحات الدكتوراه. ولقد ازعجتني كثيرا هذه المقولة لان النّاس لا يتداو لونها على سبيل الهزل والمزاح بل يضعونها دائما وللأسف الشديد في سياق جدّي وقانوني وقضائي ويعارضون بعضهم البعض بها . وان لهذه المقولة اثارا جدّ وخيمة لأنّها تؤدّي الى شعور بالخيبة والاحباط واليأس فكلّ واحد منّا يحسّ أحيانا عندما يخلو الى نفسه انّه مغفّل وانّ القانون لا يحميه ; وهنا تكمن الخطورة فهذه المقولة تؤسّس لاقصاء السّذج من الحماية القانونية وتمتيع الأذكياء بها. فاذا كان القانون لا يحمي المغفّلين فهو اذن يحمي الخبثاء الذين لا يحتاجون منطقيا الى حماية نظرا إلى فائض الذّكاء الذي حبتهم الطبيعة به. وبذلك تستحيل الحماية القانونية عدما لانها مضمونة لمن لا يستحقّها ومحرّمة على من هو في اشد الحاجة اليها. ان القانون يحمي جميع الناس وخاصة من هم في حالة ضعف فهو يحمي القصّر والمغفّلين والمعتوهين والمجانين ولا وجود لاي اقصاء. و ان عبارة "القانون لا يحمي المغفّلين" هي عبارة لا تلزم الا من يتداولها في الشوارع والمسلسلات ، أما الكتب القانونية فلا أثر فيها لمثل هذه الاشاعة الغريبة ، كما لا يمكن لأحد ان يتمسك بها امام المحاكم فيقول ، بعد أن يكون قد استولى على حقوق غيره : " يا سيّدى الرّئيس القانون لا يحمي المغفلين" لانه بهذا القول يكون قد اقر صراحة بانه استغفل خصمه وتحيّل عليه. فهذه مقولة لا ندرسها في كلّيات القانون ولا نذكرها في المرافعات فهي مقولة هجينة وغريبة عنّا وبالتالي فهي لا تلزمنا ومن العيب أن نسكت عليها لانّها تمسّ من مصداقية القانون ومن طابعه العمومي. فالقانون لكل الناس لا فرق في ذلك بين قوي وضعيف او ثريّ وفقير كما لا فرق بين ذكيّ وساذج او "مغفّل" كما يحلو للبعض ان يناديه. لذلك فانّي أقول لكلّ الّذين يشعرون أحيانا بالغبن واليأس لا تيأسوا فانّ القانون يحمي جميع النّاس .