هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    إعداد منير الزوابي .. غيابات بالجملة والبدائل جاهزة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خاص: اسراء أخطر شبكة دولية لنهب وتهريب الآثار من تونس: انقليزي يملك منجم «ألماس» يقود الشبكة من لندن
نشر في الشروق يوم 15 - 12 - 2009

عشر جنسيات عربية وآسياوية وأوروبية تلتقي حول اغراء آثار تونس. لقاء لغير الحماية ولا للتعهد بالصيانة، بل لسرقتها وتهريبها لتعرض وتباع في أضخم وأفخم وأكبر دور العرض في العالم.
الأشخاص من الجنسيات العشر وغيرهم كوّنوا أخطر شبكة عالمية لتهريب الآثار، تقبع بعض رموزهم الآن في السجون التونسية في انتظار اكتمال المشهد الذي صوّرت وسائل الاعلام الوطنية والدولية مؤخرا جزءا منه. «الشروق» تكمل الصورة وتعطي دقائقها ما الحكاية؟ من يهرّب آثار تونس؟
إلى أين تذهب؟ ماذا عن أكبر قضية لتهريب التاريخ؟
البداية كانت من مراسلة وجهها قاضي التحقيق بالمكتب الثاني بمحكمة تونس الابتدائية إلى الفرقة المركزية الأولى للحرس الوطني بالعوينة يوم 17 نوفمبر الماضي (17 11 2009) بغاية القيام بالأبحاث والتحريات لجمع معلومات بشأن طبيعة نشاط شبكة دولية مختصة في سرقة قطع أثرية نادرة والاتجار فيها وتهريبها، وأوردت الرسالة أسماء بعض المتورطين في القضية أو رموز الشبكة وعناصرها الأساسية مثل الفرنسي كريستوف لاكود والايطالي فولكو ايفانجي والرأس الانقليزي وليامس فيريس وهو ثري وصاحب دور عرض بمدينة ميونخ الألمانية وبلندن العاصمة البريطانية.
وحسب بعض المواقع الالكترونية والمنتديات فإن وليامس فيريس (WilliamsVires)معروف في ميدان الاتجار بالآثار، وسبق أن نشط خاصة اثر احتلال العراق سنة 2003 ومثلت آثار العراق المسروقة انطلاقته في الثراء الفاحش، فتوسعت نشاطاته لتطال العديد من البلدان آخرها تونس، حيث كان سقوط شبكته.
ومن بين المشتبه بهم في البداية بعض التجار من تونس وإيطاليا وموظف، كما كشف البوليس الدولي (الأنتربول) عددا من المتورطين في القضية، وقد طلب قاضي التحقيق من الباحثين اجراء جميع الأبحاث والتحريات للكشف عن الحقيقة وعن كل تفاصيل القضية وملابساتها وجميع المتورطين فيها.
الأبحاث انطلقت بالمراقبة المكثفة وتتبع حركات وسكنات بعض المشتبه بهم وتبيّنت بعض العلاقات والصلات فيما بينهم وباحدى الشركات العاملة في مجال الهواتف.
عيد الاضحى يكشف العراقي وزوجته
الكشف الهام عن تفاصيل الجريمة كانت يوم عيد الاضحى، إذ نزل عراقي وزوجته اليمنية الأصل ولهما الجنسية البريطانية بمطار تونس قرطاج الدولي، حيث كان في استقبالهما تونسي يعمل تاجر تحف تقليدية بقرطاج.
العراقي تاجر أيضا وزوجته مديرة شركة ونشاطهما الأساسي ببريطانيا.
بعد لقائهما بالتونسي توجهوا جميعا إلى مدينة حلق الوادي ثم إلى أحد النزل بضاحية قمرت أين نزل الضيفان.
بعد أربعة أيام من العيد التقى العراقيان وصديقهما التونسي وتوجهوا إلى القيروان حيث بلغا متحف رقادة الموجود على بعد 12 كيلومترا تقريبا جنوب القيروان وهو متحف يضمّ آثارا إسلامية نادرة، ثم بعد مغادرتهم المتحف، لم يسلكوا الطريق الرئيسية بل سلكوا طرقا فرعية عن طريق مدينة بوحجلة بعد أن اجتازوا قرية زعفرانة ودخلوا مسلكا فلاحيا، وبعد أكثر من ساعتين عاودوا من جديد، بعد التخفي، الظهور في طريقهم إلى مدينة سبيطلة بولاية القصرين التي تضمّ الجزء الأهم من آثار البلاد التونسية برمتها.
بعد أن قام المشتبه بهم باتصالاتهم بمدينة سبيطلة واستولوا على بعض القطع الأثرية انطلقوا عبر الطريق الرئيسية المؤدية إلى القيروان، وفي الأثناء، انتابهم الشك بأنهم ربما يكونون تحت المراقبة، فاضطروا إلى أن يسلكوا مسلكا فلاحيا، قبل أن يواصلوا رحلتهم باتجاه العاصمة.
وقام العراقي وزوجته بالعديد من الاتصالات، فيما أنجز التونسي تاجر الآثار العديد من العمليات سواء بالقيروان أو بسوسة، قبل أن يلتقي «صديقيه» بضاحية قمرت لاتمام بعض الجزئيات، وكان اليوم الثالث من شهر ديسمبر الجاري آخر لقاء بين المجموعة قبل أن يتوجه في اليوم الرابع من ديسمبر 2009 العراقي وزوجته إلى مطار تونس قرطاج الدولي حيث ألقي عليهما القبض بعد أن حجز لديهما المحققون وأعوان المصالح الديوانية قطعا أثرية مهرّبة.
العراق، بريطانيا وتونس
سرد المتهم العراقي الذي ألقي عليه القبض صحبة زوجته على المحققين تفاصيل عن زيارته والعمليات التي قام بها إذ صرّح بأنه جاء إلى تونس بإيعاز من صديقه البريطاني «وليام فيراز» وأنه فعلا دخل تونس يوم عيد الاضحى حيث استقبله وزوجته التونسي وأنه توجه للاقامة بأحد النزل بالحمامات وقال انه فعلا توجه الى متحف رقادة ثم الى سبيطلة وأثناء ذلك التقى بأشخاص من العاملين في مجال السرقة والتهريب والاتجار بالآثار، وقال انه بعد زيارة مدينة سبيطلة التقى رفقة زوجته شخصا شاهد بمنزله قناديل زيتية أثرية تعود للحقبتين الرومانية والبيزنطية، ثم زار شخصا آخر كان يملك مستودعا لتخزين الأواني والتحف، وأضاف بأنه اشترى من أحد الأشخاص لوحة من الفسيفساء ورأسين لتمثالين ولوحة من الرخام.
تبييض الأموال؟
من جهة ثانية صرح التونسي الموقوف بأنه سبق وأن تورط مع شخص معروف بجهة الحمامات سنة 2006 في قضية متعلقة بسرقة الآثار وكانا يعملان لفائدة نفس الشخص الانقليزي وشخص يوناني، يبدو أنه كان يبيّض أموال الجريمة الأثرية بإدخالها في تجارة زيت الزيتون.
وانفتحت الشبكة على أشخاص ايطاليين وكان يتم تجميع العديد من القطع الأثرية النادرة بإحدى المناطق بمدينة الحمامات ثم يغادر الانقليزي تونس، قبل أن تتم عملية التهريب، وتجرى الصفقات بإعطاء عمولات لبعض الوسطاء التونسيين.
وقال المتهم التونسي أثناء التحرير عليه بأنه اتفق مع أحد الأشخاص على شراء تماثيل وعدد هام من القناديل النادرة.
ومن المثير، مثلا أن يبيع تونسي قرابة 150 قنديلا أثريا بمبلغ 2200 دينار لقاء عمولة لا تتجاوز 150 دينارا.
واعترف التونسي بأن العراقي وزوجته اتصلا بعدد من تجار الآثار التونسيين في مناطق مختلفة من البلاد التونسية واشتريا قطعا أثرية هامة، كما اعترف بأن عددا من الأشخاص اتصلوا به وعرضوا عليه بيع قطع أثرية مثل رؤوس تماثيل وقناديل ولوحات وتماثيل وغيرها وهو يتوسط في بيعها ويضيف إليها أحيانا قطعا مقلدة، وقال انه يبيع بعض القطع قرب كنيسة قرطاج والفيلا الرومانية وحمامات أنطونيوس، وأضاف بأنه تسلّم منذ مدة رأس تمثال لامرأة من شخص يدعى ايريك يقطن بتونس وقال لقد زاره في منزله الفخم وشاهد في الحديقة أعمدة وآثارا وقطع فخار، كما اعترف بأنه بعد كل يوم ممطر يتوجه الى المكان المعروف بالمقبرة الأمريكية والمكان المحاذي لجامع العابدين بقرطاج حيث يعثر على قطع نقدية من حقبات تاريخية مختلفة ويجمعها قبل أن يفرّط فيها بالبيع.
سرقات من كل مكان
أدلى المتهم بهويات عدد من الأشخاص المتورطين في هذه الشبكة، وتمكّن المحققون من القاء القبض على عدد منهم.
واعترف بعض المتهمين بأنهم كانوا على صلة بشخص معروف في ميدان الاتجار في الآثار، وأن بعض العناصر كانوا يتردّدون كثيرا على المناطق الأثرية مثل سبيطلة والقصرين والقيروان وبئر علي بن خليفة من ولاية صفاقس والعروسة بجهة سليانة.
وكانوا يقومون بسرقة العديد من قطع الآثار سواء من مواقع أثرية أو من بعض المتاحف، وتبيّن للمحققين وجود عدد هام من الآثار بمنازل وفيلات يملكها بعض الأشخاص.
ومن بين الأشخاص الذين توصلت الأبحاث الى تورطهم موظف يعمل بوكالة إحياء التراث كقابض بالمواقع الأثرية إذ اعترف لدى الباحثين بأن شخصا اتصل به وأعلمه بأنه يرغب في بيع قطعة حجرية أثرية على شكل رأس امرأة طولها قرابة النصف متر أخرجتها قبل سنة احدى الجرافات من موقع أثري، فاشتراها منه بمبلغ 700 دينار ثم اتصل لاحقا بأحد الوسطاء والتجار في هذا المجال وتحول معه الى أحد النزل بالحمامات حيث التقيا شخصا أجنبيا وباع التاجر رأس التمثال بمبلغ 4 آلاف أورو فيما تسلم الوسيط مبلغ ألف أورو بعنوان عمولة عن الوساطة.
وقال المتهم انه اتصل بالوسيط لأنه يعلم علاقته بالاتجار في الآثار اضافة الى القرابة التي تربطهما ببعضهما البعض.
أحد المتهمين اعترف بأنه أخفى حقيبة عثر عليها المحققون لاحقا عندما كانوا مرفوقين بقاضي التحقيق إذ حجزوا بداخلها عددا من القطع النقدية القديمة، وهي عادة من الذهب و25 قنديلا زيتيا وأوان فخارية وقطعا من الفخار الأحمر وحليا وخواتم، وأن جزءا من الآثار المسروقة ربما تمّ الاستيلاء عليها من الجم وسبيطلة والقصرين ورقادة القيروانية ومن قرطاج.
وقال المتهم ان أحد معارفه سبق وأن تورط في قضية مشابهة وحكم عليه بخطية مالية.
نهب متواصل منذ الثمانينات
حسب بعض الملفات المتعلقة بالقضية، فإن متهما صرح بأنه تعرف على شخص أنقليزي يدعى وليام فيريس وكان يزوده بالقطع الأثرية، وقال انه كان يتعامل معه منذ الثمانينات في البيع والتهريب للآثار التونسية، وقال ان التعامل معه في المدة الأخيرة بقي عبر الهاتف وأضاف بأنه تعرف عن طريقه على شخص بلجيكي سبق وأن اقتنى منه كمية من الجليز العربي المعروف في تونس باسم «عفسة صيد». وقام بتجميع العديد من القطع من أجواره وأرسل كمية هامة تجاوزت الألفي قطعة جليز وأربع قطع فسيفسائية عبر الطائرة.
كما تعامل ابن المتهم مع الشخص الأنقليزي في موقع تابع له للتنقيب عن الذهب والألماس بجهة كفرة الليبية على الحدود مع التشاد.
وكان الانقليزي وليامز يبعث للمتعاملين معه عمولاتهم بواسطة الحوالات البريدية والبنكية الدولية.
مخطوطات نادرة
وحسب شهادات بعض المتهمين يمكننا أن نستنتج بأن رأس الشبكة وهو الثري الانقليزي كان يتعامل مع عدد من التونسيين منذ الثمانينات لسرقة وتهريب الآثار التونسية الى دول أوروبية، وكان على صلة بالعراقي وزوجته وأمام تعذر دخوله الى تونس لتورطه صحبة شخص معروف بالاتجار في الآثار بجهة الحمامات والمرسى شمال العاصمة تونس، فلقد استعمل الانقليزي العراقي وزوجته اليمنية الأصل والحاصلة على الجنسية البريطانية، وأرسلهما الى تونس يوم عيد الأضحى حيث كان في استقبالهما تاجر تونسي يتوسط في تجارة السرقة والتهريب وتوجهوا سوية الى بعض المناطق التونسية مثل القيروان (رقادة) وسبيطلة، كما اتصلوا بتجار ووسطاء لشراء قطع أثرية لا تقدر بثمن لقاء مبالغ زهيدة بنية تجميعها في تونس ثم تهريبها الى لندن حيث يقيم المحور الأساسي للشبكة.
نفس المعطيات تفيد بأن مخطوطات هامة تمت سرقتها من متحف رقادة، وهناك من عناصر الشبكة من هو مختص في الاتجار وتهريب المخطوطات والكتب القديمة والنادرة وقد تم الكشف عن عدد من المتورطين سنة 2008 من قبل احدى الفرق الأمنية المختصة واحيلوا على انظار المحكمة الابتدائية بأريانة التي مازالت القضية منشورة أمامها فيما يحال المتهمون بحالة سراح.
الانقليزي في كل التفاصيل
ويبدو ان الانجليزي وليام فريس تمكن من التغلغل في كل مفاصل المشهد الأثري، اذ أفاد أحد المتهمين انه كان يتاجر بالآثار وبعض المصنوعات التقليدية بجهة الجم قبل ان يدخل في خصام مع عائلته فقرر الانتقال الى مدينة المهدية لذلك اتصل بوليام فيريس الذي قدم له مبلغا ماليا بعنوان تسبقة لشراء منزل، ويبدو ان علاقتهما كانت قديمة، وكل علاقات فيريس هي علاقات مرتبطة بالاتجار وتهريب وسرقة الآثار، كما تبين ايضا، انه تمت عمليات تدليس عملة سواء تونسية او أجنبية، ثم بعد ان غادر وليامز البلاد التونسية ظل يتعامل مع «ممثليه» في تونس، وفي العديد من الدول الأخرى، وكان يدفع عمولات «ممثليه» والمتعاملين معه عبر الحوالات البريدية والبنكية الدولية، مثل «ويسترن يونيون» وقد تبين ايضا ومن خلال تصريحات أحد المتهمين من المقيمين في القيروان أن انقليزيا آخر يدعى دافيد (DAVID) متورط ايضا في شراء القطع الأثرية التونسية.
(شاحنات تجر التاريخ)
من بين الشهادات المثيرة، شهادة حارس بمنزل احد الأشخاص المعروفين بالاتجار في الآثار وهو قريب لمسؤول سابق يقيم بمدينة الحمامات اذ قال انه شاهد في منزل مؤجره العديد من القطع الأثرية من بينها «تيجان» من الرخام الأبيض ورأس أسد وثلاثة سيوف اسلامية وقناديل وتمثال في شكل امرأة دون رأس اضافة الى كمية هامة من القطع الأثرية المخفية في مستودع وقال انه كان يشاهد اثناء عمله العديد من الأجانب يدخلون منزل مشغله ومن جنسيات مختلفة اضافة الى العديد من التونسيين اناثا وذكورا، وكان يلتقيهم الانجليزي وليامز فيراز ويقيمون في المنزل وشاهد شاحنات وسيارات محملة بالقطع الأثرية والرخامية القديمة والأعمدة الحجرية وتيجانها وقواعدها وتدخل احدى المنازل المجاورة حيث تفرغ حمولتها ولاحظ ذلك في أكثر من مناسبة.
من الرومان الى الحسينيين
بينت الأبحاث أن الشبكة تضم العديد من الأشخاص من دول مختلفة ومن العديد من جهات البلاد وانها استهدفت آثار البلاد وبالتالي تاريخها وهويتها، وقد تم في البداية القاء القبض على اكثر من عشرين متهما من بينهم العراقي وزوجته وعدد من التجار التونسيين وموظف.
وتم استنطاقهم جميعا حيث اعترف جلهم بكل ما نسب اليه وبكل تفاصيل القضية، كما تمكن المحققون من حجز مبالغ مالية وعددا هاما جدا من القطع الأثرية النادرة، اضافة الى بطاقات بنكية.
وقد تمكن المحققون الذين كانوا مصحوبين بقاضي التحقيق بالمكتب الثاني بالمحكمة الابتدائية بتونس من حجز المئات من القطع الأثرية في منزل متهم واحد اصيل القيروان كما حجزوا المئات من القطع الأخرى من مخطوطات وقناديل وتماثيل من مختلف الاحجام والأشكال وخزف روماني وجرار ومشاعل وزخرفات وقناديل بونية وأخرى بيزنطية وحجر لرأس حصان وقطع نقدية رومانية وبيزنطية وإسلامية وأوان فخارية وأعمدة رخامية لفترات وحقبات تاريخية مختلفة وقبور رومانية ومزهريات وحلي وخواتم وميدالية لرأس قيصر وقناديل من الفخار الأحمر وتحف من البلور الخام ومن الفضّة والذهب وحجارة اسطوانية ومقابض برنزية وأساور برنزية تنتهي في أطرافها على شكل أسد ومقبض في شكل خنزير وحشي وأدوات من العاج وأعمدة من الرخام الحفصي وتماثيل كلسية لبشر ولحيوانات ورخام يعود للفترة المسيحية وتابوت من الكلس بغطائه يحمل في واجهته صورة طائر بوني وعمود اسطواني الشكل يحمل كتابة بخط كوفي حفصي وشرائط كوفية وأعمدة تعود الى الفترة الحسينية ودوائر تمثل مجسّمات ملائكة مقيدة ودعامة باب تعود للفترة الاسلامية ورأس إلاه وقناع من الفخار ولوحات فنية مرصعة بالبلور الخالص وكميات من المرجان الخام والمئات من القطع النقدية الرومانية ومخطوطات نادرة وكتب تاريخية وأباريق من العهد المسيحي المبكّر وبيزنطية وأواني شرب وأكل لحقبات مختلفة وقناديل أندلسية إضافة الى تمثال للآلهة فينوس وأوان من العهد الوندالي.. والمئات او الآلاف من القطع الأثرية النادرة والتي لا تقدّر بثمن.
الانتربول على الخط
وحسب نفس الوثائق والمعطيات فإن عددا من المتورطين في أخطر شبكة دولية لسرقة وتهريب الآثار التونسية من بينهم الانقليزي الذي يملك منجما للألماس والذهب على الحدود الليبية التشادية يعملون ايضا في مجال زيت الزيتون ويبدو ان مبالغ مالية طائلة متأتية من تهريب الآثار يعاد ادخالها ضمن دائرة التجارة «الشرعية» في زيت الزيتون فتكون بذلك عمليات تبييض أموال متأتية من الجريمة.
وحسب بعض المصادر المطلعة والمتابعة للقضية التي تعتبر خيوطها متشابكة ومعقدة فلقد تمكن المحققون في بداية الأمر من إلقاء القبض على أكثر من عشرين متهما، قبل ان تتوسّع دائرة التحقيقات لتشمل أكثر من ثلاثين متهما من بينهم من هو متحصّن بالفرار. نفس المصادر تفيد بأن السلطات القضائية التونسية بصدد التنسيق مع البوليس الدولي (الانتربول) لمزيد الكشف عن ملابسات أخرى وتعقيدات وأطراف في الخارج للقضية، أبرزهم المتهم الرئيس وليام فيريس، المتورط حسب مواقع أنترنات ايضا في الاتجار بآثار عراقية ومن العديد من الدول الاخرى.
التهم وفصولها
مبدئيا فإن التهم التي وجهتها السلط القضائية التونسية للمتهمين متعلقة أساسا بتغيير العملة الرائجة قانونا بالجمهورية التونسية والمشاركة في وضع عملة مدلسة وادخالها الى التراب التونسي وتغيير وتدليس العملات الاجنبية والمشاركة في عرضها او ادخالها والسرقة والاتجار في القطع الأثرية دون احترام للاجراءات المعمول بها وتحويل مكان ايداع منقولات محمية والمشاركة في كل ذلك على معنى أحكام الفصول 32 المتعلق بالمشاركة و185 المتعلق بتدليس العملة والذي يصل فيه العقاب الى السجن بقية العمر و187 المتعلق بتدليس العملة الاجنبية والذي قد يصل فيه العقاب الى عشرين عاما و258 المتعلق بالاختلاسات والسرقة و264 المتعلقة ايضا بالسرقة والذي يصل العقاب فيه الى السجن لمدة خمس أعوام، وكلها فصول من المجلة الجزائية اضافة الى الفصول 59 و55 و80 و82 من مجلة حماية التراث.
التحقيقات والابحاث في القضية مازالت متواصلة، سواء في طورها التحقيقي أو من قبل الاجهزة الامنية المختصة، ومن المتوقع ان تكشف خلال الايام القليلة المقبلة عن وقائع أكثر تعقيدا وعن أشخاص ورؤوس ربما تحدث المنعرج في ملفات قضية تثير حساسية لدى الرأي العام، لأن الأمر ليس متعلقا بسرقة عادية أو تهريب «روتيني»، بل الامر متعلق بسرقة تاريخ البلاد في كل تفاصيله الجغرافية والحضارية، انها شبكات الاستهداف الثقافي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.