في الوقت الذي ينكب أطباء العالم، بما فيهم أطباء تونس على مكافحة وباء انتشر في كافة أقطار المعمورة وأصبح يهدد ملايين البشر، وهو مرض أنفلونزا الخنازير وفي الوقت الذي تكثف تونس من الحملات التوعوية وتجلب حقن الدواء الناجع للقضاء على هذا الوباء الجديد، رغم قلة إصابة التونسيين بهذا المرض، وفي الوقت الذي تسير الحياة في بلادنا سيرا حثيثا نحو مزيد من التألق الدولي والإشعاع، والنجاحات بفضل سياسة الحكم الرشيد التي يقود مسيرتها سيادة الرئيس المصلح زين العابدين بن علي في هذه الأيام بالذات، تنتشر بالتوازي أنفلونزا أخرى في أوساط بعض أفراد المجتمع التونسي، وإن كانوا فئة قليلة ضيقة جدا، حيث يجلسون في المقاهي الكبرى بالعاصمة وفي الصالونات الخاصة، يلتقون كل صباح حول قهوة العادة، ويأخذون في حديث الإشاعات يرفعون بها زيدا، ويحطون من قيمة عمرو، يعزون من شاؤوا سلاحهم في ذلك تلفيق الأخبار، وترويج الأخبار الزائفة وتزيين الكذب، وتغذية لهيب الإشاعة وهو داء دفين، قديم، يظهر مدة، ويختفي مدة، ذلك أن الإشاعة وإن كانت متوقعة في كل زمان ومكان، إلا أنها ظاهرة نريد إلجامها من أول وهلة، حتى لا تسري في الناس سريان النار في التبن لأن الإشاعة كما هو معلوم وباء اجتماعي خطير يصيب النفوس، ويصعب التخلص منه إذا تمكن فيها، فهي مثل الكذب، عيب من عيوب الإنسان، يرتكب بها الذنوب ويتفنن في صياغتها لترسخ في أذهان الغير، وتفعل فعلها بعد ذلك خطرا ينتج شرا، وضياعا للجهد هدرا للوقت وخسارة للوطن. إن الإشاعات مرض وداء، نرجو منه للجميع البرء لأنها تصدر عن نفوس حاقدة، لا تعمل ولا تترك غيرها يعمل ويبتكر ويبدع يسوؤها نجاح غيرها وتألقهم، ويحزنها سير عجلة التطور في البلاد إلى الأمام. هكذا ينتصب البعض في مقاهي العاصمة وصالونات سماسرة الحديث ليروجوا إشاعات وأكاذيب، يبتكرونها ابتكارا، يغزونها بتلفيق الحكايات ويرسلونها برقيات، يهمسون بها في أفواههم الحاقدة في آذان الجمهور لتسري في الشارع «أخبارا» عاجلة. يلتقي هؤلاء إذن كل صباح، في هذه المقاهي، فيسأل الواحد صاحبه «هل عندك من جديد؟» ماذا سمعت ؟ هات ما عندك ! . ويبدأ سيل الإذاعة أو الإشاعة متهاطلا كحبات المطر، وتتوالى نشرة الأخبار المزيفة في هذه الفترة الزاهرة في حياة تونس، إثر الانتخابات الرئاسية والتشريعية الناجحة ومع انطلاق تنفيذ بنود البرنامج الانتخابي للخماسية القادمة، هذا البرنامج الطموح، الجامع لأوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية عموما، من أجل أن تتقدم بلادنا أشواطا على درب الازدهار والرخاء في كنف السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار. تتوالى الإشاعات إذن، بحيث ينصب هؤلاء أنفسهم أصحاب قرار ونفوذ في البلاد: فإذا هم يذكرون كذبا وتلفيقا أن فلانا سيعين وزيرا وأن الوزير الفلاني سيحال على التقاعد الوجوبي وفلانا سيعين سفيرا بإحدى سفاراتنا في أوروبا وأن الآخر سيوضع في «الفريقو» (البيت البارد) وأن فلانا نجمه في صعود ومعه الأولياء الصالحون (الأكتاف) وفلان ولد بلاد فلان الفلاني وأن فلانا سيعين قنصلا عاما وكأن وزارة الشؤون الخارجية ملجأ سهل، والمسؤولية الديبلوماسية أمر هيّن في حين أن الديبلوماسية علم وفن وخبرة ودراية وتجربة ونضال ووطنية. وهكذا تسري الإشاعات من الأفواه إلى الآذان، لتسمم الأجواء وتدخل الاضطراب على النفوس، وما علم هؤلاء المروجون للإشاعات أن ما يفعلونه جناية يرتكبونها في حق الوطن. فالوطن كما يقول سيادة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي «لكل أبناء تونس والوطنية فعل يمارس لا مجرد قول أو إشاعة أو بلبلة في الصفوف واضطراب في النفوس، أو شد إلى الوراء». فما العمل إذن حتى نوقف نزيف الإشاعات؟، إن الواجب يدعو النخبة المثقفة وأهل العقل والرأي الحصيف وأهل الإعلام الصادقين أن يتصدوا جميعا لهذه الحملات المغرضة لمروجي الإشاعات المزيفة، وأن يعملوا على توسيع رقعة الحوار الوطني البناء في كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وفي الوسائل الإعلامية المتطورة تكنولوجيا، بذكر الحقائق والتنويه والتذكير بالإنجازات التاريخية التي تحققت في تونس، وإلقاء مزيد من الأضواء على نجاحات بلادنا في كل المجالات، وهي كثيرة بحمد الله وباعتراف الملاحظين الدوليين وكل المنتظمات الأممية التي صارت تثق في تونس ورئيسها وشعبها وفي مؤسساتها وتنوّه بالكفاءات التونسية وتثمن الأرقام الإيجابية التي تسجلها تونس في مجالات الارتقاء بعيش المواطن ورفاهه في محيط نظيف، وفي مناخ أمن وتنمية وأمان وتضامن واستقرار.