بلغت قناة تونس 21 الفضائية، في الذكرى الثانية والعشرين للتحوّل المبارك، سنتها الثانية ويمكن القول انها قد أنجزت الكثير على مستوى الاعلام التلفزي، في مجالات عدّة، تعريفا بمكاسبنا الوطنية في الداخل والخارج، ومساهمة في تأسيس تقاليد الحوار والتواصل بين مختلف الشرائح الاجتماعية والنخب المبدعة والمثقفة، اضافة الى حرص إدارتها وعلى رأسها الفنان المبدع حمادي عرافة على جعلها منبرا لكل الأجيال وإن تميّزت منذ البداية بروح شبابية برمجة وتنشيطا... لقد كسبت التحدي وقطعت أشواطا طويلة في المجال الاعلامي وخاصة على صعيد البرامج ذات البعد الثقافي الهادفة الى تقريب المشهد الابداعي التونسي والاضافات الفنية والأدبية الوطنية من المواطن العادي، ولا أدلّ على ذلك من البرنامج الناجح «وقيّت حلو» الذي يبلغ هو أيضا سنته الثانية، دون فتور أو انقطاع أو سقوط في النمطية والجمود، وقد سمحت لي تجربتي البسيطة في مجال الانتاج التلفزي بالاطلاع على تفاصيل العمل اليومية وعلى آلياته والتحديات التي يواجهها منتج لبرنامج أسبوعي مسجل مثل برنامجي السابق «كبار الحومة»، رغم كل التسهيلات التي حبتني بها الادارة، وصراحة لا يمكن مقارنة أي برنامج مسجل بالبث المباشر اليومي، خاصة اذا تعلّق الأمر ببرنامج اخباري ذي صبغة ثقافية شاملة، ويرتكز أساسا على المتابعة اليومية لكل جديد في الساحة الثقافية التونسية التي تضجّ بالأنشطة في الفصول الأربعة، من شمالها الى جنوبها، وتعرف طفرة كبيرة على مستوى المهرجانات الفنية (مسرح سينما فنون تشكيلية موسيقى...) والتظاهرات الأدبية والفكرية (شعر قصة نقد دراسات علمية...)، أنّ التصدي لهذه المهمة الصعبة بشكل شبه يومي خمسة أيام في الأسبوع الواحد أمر يستحق الذكر والشكر معا... ثم إن الفريق العامل في «وقيّت حلو» لم يكتف مثلا بسرد جملة من الأخبار الثقافية اليومية والمواعيد الفنية والأدبية وغيرها مع تقسيمها ببعض الأغاني من أرشيف التلفزة، والسلام على السادة المشاهدين، بل يمكن تشبيه العاملين في هذا البرنامج بخلية النحل التي لا تهدأ ولا تكلّ، فالعمل يستوجب تنسيقا متواصلا ودون انقطاع على مدار الساعة مع العشرات بل المئات من الجمعيات الثقافية والفنية، ومع عدد هائل من دور الثقافة والشباب، وما لا يحصى من المهرجانات المنتشرة في كل رقعة من الجمهورية، دون أن ننسى المؤسسات الكثيرة التي تعنى بالشأن الثقافي وتدلي بدلوها دوريا وموسميا في هذا المجال الذي تراهن عليه بلادنا، وهل نسهو عن ذكر المندوبيات الثقافية والجامعات والمبيتات ووو، خلاصة القول لقد رفع برنامج «وقيّت حلو» منذ سنتين كاملتين تحديا كبيرا ونجح في تحقيق شروط الاستمرارية واستقطاب الجمهور في تونس وخارجها، كيف لا وفي كل حصة تقع استضافة العديد من الضيوف وفي جرابهم الجديد: عروض مسرحية أفلام أغان معارض تشكيلية اصدارات أدبية وفكرية مشاريع فنية مختلفة ومتعدّدة برامج بالجملة والتفصيل لما لا يحصى من الجمعيات والمؤسسات والفرق المحترفة والهاوية، ولعل أجمل ما في هذا التحدي، وبصرف النظر عن جسامة العمل التنسيقي اليومي، واستقبال الضيوف وإعداد الفقرات المخصصة لكل منهم، يتمثل في تمرير المعلومة الثقافية لجميع الشرائح الاجتماعية دون إطالة ممجوجة، بل أعتقد أن نجاح هذا البرنامج يعود أساسا الى النسق الحثيث الذي تتوالى فيه الفقرات المختلفة، مراوحة بين نتاج العمل التصويري الخارجي الذي يقوم به جانب من أفراد الفريق العامل (تغطيات محاورات خاطفة استجوابات وتحقيقات سريعة...) وبين الحوارات التي تقع في الستيديو مع الضيوف الذين يتداولون على الظهور تباعا، وعلى تقديم برامجهم ومشاريعهم وإصداراتهم دون إفراط في الحديث ودون تفريط في ايصال المعلومة، وهذه هي المسألة المدروسة من قبل المشرفين على البرنامج والتي كانت السبب الرئيس في استقطابه لجمهور أكبر من المتفرجين يوما بعد يوم وأعتقد أن الشعب التونسي العريق، حفيد الحضارات العظيمة، لا «مشاكل» له مع البرامج الثقافية، ولكن كيف نقدّم له المادة الثقافية في عالم جامح ومسرع بشكل مذهل، هذا هو السؤال الذي أجاب عنه «وقيّت حلو» كأحسن ما تكون الاجابة.