هو الجدل الضروري مع جماعة كان لها السبق في محاولة تأسيس الحداثة إذ أنها كانت أوّل من سعى لاقامة هذه «الهويّة» داخل وعينا الفني الحديث. لعلّه جدل ضروري مع السابق رغبة في التجاوز؟ أو لعلّ المهداوي لا يمكن له أن ينتمي الى «الفن الكتابي» لأنه يؤمن بقيمة أخرى للفن وللحرف العربي؟ إن «المهداوي» في تجربته مع الحرف العربي يسعى الى هذا التباين مع غيره من المغرمين بالحرف وتشكيله اذ أنه مسكون بهاجس «المغايرة» ذاك الذي يمثل عمق حواره مع «الآخر» وأساس تعامله مع المشاهد. لعلّه حوار جادّ يخرج الحرف العربي من أقبية المساجد والقصور الى ثقافة بصريّة تحتفي بالصورة وجماليتها. «وهناك من الفنانين من أعطى جهدا رياديا كالفنان «نجا المهداوي» وذلك في استخدام الخطوط العربية ضمن نمطية مألوفة حيث لا يمكن ان نقع الا على أشكال كلمات جرّدت من خصائصها المعنوية وفرغت من أي دلالة». هي بلاغة تعتمد تشكيل الحرف العربي وتقديمه للمشاهد من خلال اكتشافه لذاته عبر تجربة الآخرين. ولذلك كان الحوار قائما بين هذه التجربة الفنية من جهة وبين تجربة جماعة البعد الواحد في العراق من جهة أخرى تلك التي تعاملت مع الحرف العربي وجعلت منه فنّا كتابيا يستلهم من ذاته قيمة شكلية صرفة. «ثمّة مجموعة من الفنانين العراقيين تدارسوا مسألة الفن الكتابي بجدية ملحوظة فأقاموا معرضا مشتركا عام 1971 وأصدروا كتابا يتضمن بيانا، وكان هؤلاء وخلاف ذلك توجّه الغرب الاسلامي الى اعتماد كلّي على الحرف العربي مما غيّب كل حضور تجسيدي للصورة ذلك أنه اكتفى بحوار مع ذاته عبرتشكلات متنوّعة جهدت في الابتعاد عن كل تجسيد. ولعلّ نجا المهداوي وهو يحاور هذا الشرق فإنه يحاول أن يتعلم هذا الجدل بين الحرف والصورة ليؤسس تباينا مع ثقافة الآن. إنّه يدخل باب الصراع مع الموجود الحروفي والتشكيلي في أن يختلف مع سائد يقدّس الحرف وتجريده من ناحية ويتوق الى تأكيد بصرية تراوح بين قيمة الحرف ووجاهة التشكيل بالصورة من ناحية أخرى. هو حوار غايته الاطلالة على عالم فني تشكيلي شرقيّ كان يحتفي بالكتابة مثلما يحتفي بالرسومات يتعامل مع الحرف مثلما يتعامل مع الاشكال. هو حوار بين السواد والبياض مثلما هو نداء لتلوين الفضاء. لعلّه ذاك الجدل بين المجرّد والعيني أو لعلّه ذاك الجدل بين الآن والماضي. إنه حوار نجد له أصولا في رسوم الواسطي لمقامات الحريري. «لقد بلغ فن التصوير العربي ذروته في رسوم الواسطي لمقامات الحريري التي أنجزت في بغداد. وتعتبر المخطوطة المحفوظة في المكتبة الوطنية في باريس برسومها البالغ عددها تسعا وتسعين تصويرة من أّهم الرسوم التي أنجزها سنة 1237م يحيى بن محمود الواسطي. ولقد حظيت مقامات الحريري المصورة والمزخرفة بالرسوم الملونة باهتمام نقاد الفن والمؤرخين للتاريخ العربي والاسلامي لأنهم اعتبروها نموذجا لأفضل تجارب الفن التشكيلي العربي في عهود ازدهاره في ظل الحضارة العربية الاسلامية ومثلت هذه التجارب الاساسية لفن التصوير في أكثر ابداعاته تقدما الخصائص إذ جمع في هذه الرسوم المضمون الانساني الى الصياغة الفنية المحكمة. وقدمت لنا رؤية حية لعصر معين من العصور بكل ما فيه ولهذا فهي شهادة واقعية على مرحلة تاريخية محددة المعالم». ذاك هو المهداوي يتعاقد مع بلاغة «الخط التشكيلي» ويؤكد انتماءه للذات في حوارها مع الانسان.