بانتهاء مداولات مجلس المستشارين تتّجه الأنظار حاليا وخلال الفترة القادمة إلى الميدان حيث ينتظر أن تشرع الحكومة في تنفيذ مختلف البرامج الموضوعة في الميزانية والّتي تغطّي كلّ القطاعات والميادين. فبعد المصادقة التشريعية ستُطلق أيادي الحكومة من أجل تجسيد مختلف فقرات الميزانية وخاصة تلك المتعلّقة بباب المصاريف العمومية في اتجاه تنمية البنية الأساسية وتحفيز واقع الاستثمار والتشغيل في مختلف جهات البلاد، ولا يخفى على أحد دقّة الظرف والضغوط الّتي تعرفها ميزانية الدولة للسنة المقبلة والّتي تجعل من الأهداف الموضوعة وخاصة منها تحقيق نسبة نمو في حدود 4% والوصول لتحقيق 75 ألف موطن شغل جديد من بينها 55 ألف لأصحاب الشهائد وخريجي الجامعات، تجعلُ منها أهدافا أكثر من طموحة في ظرف أكثر من صعب وأكثر من حسّاس. وربّما اتّضح من خلال مداولات الغرفتين التشريعيتين أنّ رهانات حقيقية ستعرفها البلاد خلال السنة المقبلة ممّا أوجد حالة كبيرة من التوافق والانسجام في التحليل واستشراف ما يُمكن به الوصول لتلك الأهداف ولعلّ من ابرز الآليات الّتي تمّ الانتهاء إليها هي إبقاء الحوار مفتوحا بين الحكومة ومجلسي النواب والمستشارين بما يُمكّن من رصد مختلف التحوّلات والتغيّرات والتفاعل السريع معها خاصة وأنّ المنظومة التونسية تحوز اليوم على قدر كبير من الأريحية والمرونة والحركية في التعاطي مع مقتضيات ومستلزمات الميزانية والمخطّط التنموي الجاري. إنّ المصادقة التشريعية ليست سوى مرحلة من مراحل العمل وهي قاطرة البدء في التنفيذ والتجسيد وتحتلّ ميزانية 2010 أهميّة محورية على اعتبارها السنة الأولى في البرنامج الرئاسي للخماسية المقبلة هذا البرنامج الّذي أصبح اليوم أجندة تفكير والتزاما من مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين. ينتظر الناس اليوم «حصاد» هذه المداولات الّتي دامت لأكثر من أسبوعين وهم يأملُون في رؤية الأشياء تتحرّك بسرعة والمشاريع تنطلق وتتوسّع بالسرعة المطلوبة ودون تأخير ، وهذا مطمح المواطن العادي الّذي يتطلّع لتحسين ظروف عيشه وللعاطل عن العمل الّذي يبحث عن موطن شغل و«لقمة عيش»، وهو كذلك مطمح المستثمر ورجل الأعمال والفلاح والتاجر والحرفي في أن يرى الصعوبات تذلّل والمخاوف تنزاح من طريقه صوب الإنتاج ورفع الأداء ومغالبة التحديات الماثلة ، وهي كذلك مطمح الأجير الّذي بقدر ما يستجيب لضرورة رفع نسق الإنتاجية بقدر ما يأمل في أن يتحسّن أجره وظروف عمله. ومن المهم في هذا الباب التأكيد على محورية وحيوية أن تُسارع وزارة المال لصرف الاعتمادات اللازمة والمقرّرة للوزارات بالسرعة والنجاعة المطلوبة فالمال قوام الأعمال. فعلا، وبالنظر إلى كلّ الانتظارات الشغوفة ، ليس من شيء يُقال الآن وقد أخذت الميزانية المصادقة البرلمانية إلاّ... إلى الميدان... إلى العمل.