تراجع الجيش الايراني الذي يسيطر منذ الجمعة الماضي على بئر للنفط داخل الأراضي العراقية لكن دون أن ينسحب بشكل كامل من التراب العراقي فيما رأى مراقبون أن واشنطن هي من تحرّك هذه الأزمة بين العراق وإيران بهدف تحقيق مصالحها الاستراتيجية والاستحواذ على النفط العراقي. وكان قائد القوات الايرانية المسلحة قد صرح في بيان بأن «قواتنا موجودة على أرضنا وعلى أساس حدود دولية معروفة» معتبرا أن هذه البئر تعود إلى إيران.. وفي المقابل هوّن مسؤولون عراقيون من الحادث مما أثار انتقادات مشكّكة في حقيقة ولائهم السياسي. وقال عبد الكريم اللعيبي، وكيل وزارة النفط العراقية إن الجيش الايراني لم يحتل حقل الفكّة كما روّجت وسائل الإعلام وإنما تجاوزت على بئر نفطية في الحقل وتمت تسوية الموضوع ديبلوماسيا بين البلدين. وجاء الحادث قبل شهر واحد على بدء عمل لجنة مشتركة إيرانية عراقية لترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين ليوحي بفشل مسبق لأعمال تلك اللجنة وبأن «خيار القوّة» مازال مطروحا من الجانب الإيراني على الأقل. نوايا.. إيرانية واعتبر ملاحظون أن إيران التي تبدو في أوج قوتها العسكرية مستعدة لتصدير مشاكلها السياسية الداخلية وصراعها مع الغرب إلى العراق الذي أصبح في أسوإ أحواله عسكريا وسياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا حيث تفككت لحمته الداخلية مع تصاعد النزعات الطائفية. من الناحية الاقتصادية جاء الحادث اثر توقيع العراق جملة من الاتفاقيات منح بمقتضاها حقوق استغلال حقول نفطية ضخمة من بينها «حقل مجنون» العملاق لشركات عالمية الأمر الذي قد يعيده إلى حظيرة الانتاج بأرقام فلكية قد تصل 12 مليون برميل يوميا مما يعني إغراق السوق العالمية وتخفيض الأسعار وإمكانية تعويض النفط الايراني في حال لجأ المجتمع الدولي إلى فرض حصار شامل على طهران لا يستثني النفط بسبب برنامجها النووي. ومن الناحية السياسية أثار «الهدوء الكبير» الذي طبع تعامل الطبقة الحاكمة في العراق مع الحادث رغم خطورته تعاليق الملاحظين. وقد رأى البعض في هذا التصرف انعكاسا لمدى النفوذ الايراني داخل أجهزة الحكم في العراق. وحتى أمنيا اعتبر مراقبون أن القوة العسكرية الايرانية التي سيطرت على البئر النفطية لا تساوي شيئا أمام جيوش جرّارة من عناصر المخابرات والميليشيات الايرانية الناشطة فعليا داخل العراق والتي تجعل من طهران المتحكمة الأولى في وضعه الأمني.. تهدّئه وتوتّره حسب مقتضيات مصالح إيران. مخطط.. أمريكي وفي رأي مراقبين فإن «البرود» الأمريكي في التعاطي مع هذه الأزمة يوحي بأن لواشنطن التي تخطط لسحب قواتها من العراق عام 2011 مصلحة في «جرجرة» العراق وإيران إلى صراع جديد قد يكون هو الحلّ الأمثل لمنع صعود أيّ منهما كقوّة إقليمية تهدّد مصالحها بعد أن جرّبت عدم جدوى تورّطها المباشر في حرب ضدّهما واستحالة «ضبطهما» عسكريا. وعلّق أحد المراقبين بأن الموقف الأمريكي من حادث حقل «الفكّة» النفطي يوحي بإمكانية لجوء إدارة أوباما إلى نسخة مطوّرة من استراتيجية «الاحتواء المزدوج» للماردين العراقي والايراني.. وهي الاستراتيجية التي كانت واشنطن قد عملت على تطبيقها بتأجيج الصراع في حرب السنوات الثماني.