خبير في المناخ .. 60 % من جزيرة قرقنة مهدد بالزوال    معرض اوساكا 2025.. اكثر من نصف مليون زائر ياباني للجناح التونسي    قضية حاوية المخدرات بميناء رادس..الاحتفاظ ب 3 اشخاص بينهم وكيل شركة وموظف ديواني    هاشمي الوزير.. يجب تطوير لقاحات مضادة للأمراض المستجدة الناتجة عن التغيرات المناخية    ساركوزي يعلق على حكم السجن الصادر بحقه..    بشرى سارة: اجتماع لبحث حلول التلوث في قابس وتحسين البيئة..تفاصيل !    تونس وإستونيا تعززان شراكتهما في التعليم والاقتصاد خلال لقاء نيويورك    عاجل: 13 ولاية تونسية ستنضمّ إلى برنامج توزيع الدواجن بأسعار معقولة    المشاركة التونسية في الصالون الدولي للسياحة "Top Résa" ... خيار استراتيجي يعكس رؤية متكاملة لتعزيز مكانة تونس كوجهة سياحية متجددة ومنافسة    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق صخر الماطر في هذه القضية..    اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزّة تكشف عن انطلاق أسطول جديد من إيطاليا بعد غد السبت    الدنمارك: إغلاق مطار آلبورغ بسبب رصد مسيّرات    صادم - يحدث في إندونيسيا: أكثر من 1000 صغار تسمّموا من وجبات المدارس!    مهم جداً: مواعيد وحكام مباريات الرابطة المحترفة الأولى – لا تفوت التفاصيل!    عاجل : إنجاز تاريخي للتجديف النسائي التونسي في بطولة العالم للتجديف الصين 2025    الرابطة الثانية: تعديل في برنامج مواجهات الجولة الثانية ذهابا    بطولة كرة السلة: تعيينات منافسات الجولة الافتتاحية من البطولة    إنتقالات: تجربة إحترافية جديدة لحارس المنتخب الوطني سابقا    قصر المعارض بالكرم يحتضن لاول مرة في تونس مهرجان الرياضة 2025 من 6 الى 9 نوفمبر المقبل    إصابات بالجملة في مباراة الاتحاد المنستيري والبنزرتي: شنوا صار ؟    الحماية المدنية: 484 تدخلا خلال ال 24 ساعة الماضية    4 سنوات سجنا لقابض بوزارة بتهمة الاستيلاء على أموال عمومية    الدورة ال20 لمهرجان أيام السينما المتوسطية بشنني تحت شعار 'الحق في المستقبل' من 15 الى 19 اكتوبر 2025    شنية حكاية المنصة الرقمية الجديدة اللي باش تنظّم العلاج في تونس؟    عاجل/ تقلبات جوية جديدة ستتواصل حتى الأسبوع القادم وستشمل هذه الولايات..    عاجل/ 50 مصابا في هجوم مسيّرة على إيلات ونتنياهو يتوعد الحوثيين..    الاعلان عن نتائج المناظرة التونسية للمنتجات المحلية يوم 2 ديسمبر المقبل    عاجل: الحشرة القرمزية تكبر وتهدد المحاصيل، وعلاجها غامض!    اليوم: تواصل الاضطرابات الجوية والأمطار الغزيرة بهذه المناطق    عاجل: 500 دجاجة في مذبحة عشوائية...ظروف ''مقزّزة'' تهدّد صحة التونسيين    ينتحل شخصية وكيلة جمهورية و يثر ضجة في الجزائر ...شنوا الحكاية ؟    تعرفش شنيا ما لازمكش تاكل قبل النوم؟    لأول مرة: سر طول عمر أكبر معمّرة في العالم... !    الرئيس الكولومبي يدعو إلى تشكيل جيش دولي لتحرير فلسطين ومحاسبة ترامب    القيروان: انطلاق انجاز السوق المركزي سيدي عرفة بكلفة تناهز 11 مليون دينار    نابل: دار الثقافة محمود المسعدي تازركة تحتضن تظاهرة "عالمنا فن" تحت شعار "إبداع يجمعنا، عنف يفرقنا" يومي 26 و27 سبتمبر الجاري    كميات البذور الممتازة المتوفرة تتجاوز 500 ألف قنطار في ظل توزيع قرابة 160 ألف قنطار الى حد الآن - مسؤول بوزارة الفلاحة -    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ تلميذ يعتدي على زميله بآلة حادّة في سيدي حسين..    رئيس الجمهورية: مشروع قانون المالية يجب أن يعكس الدّور الاجتماعي للدّولة    وزيرة الثقافة تدعو الى إطلاق حملة تنظيف واسعة للمناطق الأثرية تنطلق من تونس الكبرى    سفن أسطول الصمود تبحر في اتجاه المياه الإقليمية اليونانية    فاتحة البقاء    يوم الجمعة بالمسرح البلدي بصفاقس...عرض «فيروزياد» تكريما لفيروز وزياد الرحباني    ولدت في تونس وتوفيت في فرنسا...رحيل أيقونة السينما الإيطالية كلاوديا كاردينال    عودة الغائب    التدخين في تونس: أزمة صحية تبحث عن حلول    طقس الليلة.. سحب محليا كثيفة مع امطار رعدية بهذه المناطق    عاجل/ بالأرقام: تضاعف نسق بيع السّيارات الشّعبية.. وهذه العلامات الأكثر رواجا    تيك توك يكشف سر قاعدة الأصدقاء السبعة: كيف تبني صداقات متوازنة؟    لقاح mRNA الروسي للسرطان: هل هو بداية النهاية لهذا المرض؟ اكتشف التفاصيل!    تصفيات مونديال 2026: نسور قرطاج يختتمون المشوار بمواجهتي ساوتومي وناميبيا في رادس    "حتى التراث من حقّي": تظاهرة ثقافية بمركز تقديم تاريخ ومعالم مدينة تونس    ظهر اليوم...تطورات في الوضع الجوي تشمل هذه الجهات    عاجل: الموت يغيّب كلوديا كاردينال عن عمر ناهز 87 عاماً    عاجل : هذا هو موعد شهر رمضان 2026 فلكيا    يا توانسة.. هلّ هلال ربيع الثاني 1447، شوفوا معانا دعاء الخير والبركة الى تدعيوا بيه    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرّمز الوطني صدّام حسين «نموذجا»
نشر في الشروق يوم 24 - 12 - 2009

الشجاعة أن يحبّ المرء الحياة، وأن ينظر إلى الموت نظرة هادئة، وأن يسعى إلى ما هو مثالي، وأن يفهم الواقع.. وان لا يخضع لقانون كذب منتصر إلى زوال..
جون جوراس
يموت الكائن البشري، وليس بوسعه معرفة منزلته في الحياة، بما هي حكم الآخر قبل أن تنال منه الموت. وإن منزلة الفرد تقدير ينسب لمن تعايش معهم، عندما يفرض عليهم سلطة التقدير المعنوي أسرا.
وبما أننا عرضة لمآثر الرجال، التي تحفر في الوجدان وشما، ليس بوسعنا إلا أن نجمع على أن صدام حسين رمزا من رموز هذه الأمة دون محاصصة عندما تتعنّت روحه عن صمت القبور، تسكن في الذوات دافعا للمقاومة.
الموت حتمية واختيار، حتمية لأنها مآل لا مفرّ منه واختيار لما تكون أجناسا تمنح الحرية في طريقة الاقبال عليها، البعض يترقبها ساكنا وهو يرتجف خوفا من الألم. والبعض الآخر يسرع لملاقاتها وبه شوق لاحتضانها، يفتك الوجود من العدم، والحياة من الموت، فتتحفز بذلك فعالية المماهاة بين الأبعاد الزمانية، تتعامد فيها الأصالة والمعاصرة في خط تصاعدي لا يفاضل بين «سقراط» رمزا للحكمة و«صدام حسين رمزا للوطنية». وحينما تفاخر الأمم برموزها لا مناص لأمتنا إلا أن تفصح عن هويتها التي يكون الشهيد صدام تعريفا لها، وهو يجسّد شعارها «أقوياء دون غرور ومتواضعون دون ضعف»، فلا غرابة إذن والحق يقال أن شخصية الرمز الشهيد لم تكن إلا تلخيصا وإضافة لصفات كلّ الرموز التي أنجبتها الإنسانية، فكان بها يتحدى العالم المرتد عن انسانيته. وها هم أشباله يحتذونه بواسطتها لحدّ الآن، لقد اصطفته الأمة رمزا، جوهرا، يتجرّد من كل الأعراض الآنية، ينشد الكليات الأبدية، يتسربل بذات كان بها «هو ما هو» تسكن الذوات هاجسا، فتتصعد وطنا، يتصعّد بها عزّة ومجدا. وليس لأحد من الوطنيين أو دعاتها بقادر على أن يسحب عنه هذه الصفة التي علا بها إلى مقام العليين، وقد قدّم لوطنه ما لم يستطع أن يقدمه أحد، فحتى أولئك الضالعون في الخيانة ليس بوسعهم نفي ذلك ما دامت ذاكرتهم الحيوانية على قصرها مازالت تحتفظ، ولهم أن يتجاهلوا مادام الجهل سمتهم لكن التاريخ بإنصافه سيحفظ أفعال الرجل ما ظهر منها وما بطن.
بارك الله في امة أنجبت ومازالت تنجب الرموز لمقاومة غيرية عدوانية حاقدة لا تترك مجالا لتعايش الآخر معها، عدوانية ابتدأت بخيبة كسرى، وسوف تنتهي بالضرب على أدبار رعاة البقر، وإلجام أفواه الصفوية بطيات عمائم الشر.
عندما يكون الرمز حكمة المجاهدة في التوحد مع الوطن، يدفع بمن له رغبة في امتلاكه الإقبال على أفعال التميّز التي لا يطالها النعاج والنعام من سلالات البشر، فلا يسعنا الا ان نقول لمن جاء بعد صدام للحكم، من تجار الوطنية وسماسرة الرجعية ونواطير الامبريالية الذين لم يخفوا شهوتهم لهذا الامتلاك. انهم ليسوا بقادرين على ان ينالوا ما ناله القائد وليس لهم ان ينعموا بما أنعم الشهيد ولن يذكروا بمثلما يذكر الفقيد، وعليهم ان يقنعوا أنفسهم بأنفسهم ان الرمزية الوطنية لا ينالها الأقزام. بل هي استشراف لصناديد الرجال وإن كان لابدّ من إشباع شهوتهم من حيث هم لا يستثنون الرمز فهو ايضا لا يستثنيهم عندما ينقلب على نفسه من الرفعة الى الوضاعة، ليجد هؤلاء أنفسهم رموزا لكنهم رموز خيانة، ولنا الاختيار في من يستهوينا الباقي مجدا والداثر سفالة.
كان وقع الجرم في حق أمتنا بإعدام رمزها. ولادة لاتحاد الوطني بالقومي والقومي بالانساني ، اتحاد يفتك الآخر الانساني من عزلته ليكون شريكا في ظاهرة الحزن التي تتأتّى عن الموت المقترن بالألم، موضوعا للتعاطف البينذاتي المتسامي عن الاعتبارات الايديولوجية الضيقة، تخفيفا لوطأة الحزن على من ينتمي اليهم المستهدف وتأسيسا لحميمية كونية ما أحوجنا اليها اليوم لبناء الغد.
الجرم الذي مزّق صمت الانسانية استنكارا يعيد في الأنفس مكبوتا حضاريا، يفصح عن نفسه في بكاء «هستيريا جنون الوطن» لهذا بكينا ومازلنا نبكي مصابنا الجلل».
بكينا ومازلنا نبكي يا سيدي، ونحن لا ندري امام ذهول الصدمة ما الذي يبكينا؟ أيجوز البكاء على من تعالى منا الى عمق السماء؟ وحري بنا ان نضعه نيشانا على صدورنا فيتلاشى البكاء ويحضر الجلد عن المفتقد، وإن كانت الجفون على غيره لا تسخرو على أحد.
بكينا ولم ندر ما الذي يبكينا! حسرة الفراق؟ أم عزة الشرف؟
بكينا من أجل انفسنا يتامى هوية لم يرد لها التطلع، بكينا لأننا فقدنا بدرا نستلهم من روحه فعل المواطنة، وهو يسبر أغوارها بفعل المقدر، يستقرئ تاريخ الأمة حنكة وتمرسا، يستشرف مستقبلها بتنبؤات الواثق المستبشر. نحن اليوم نعايشها، ممارسة تجسد التمثل.
بكينا ونحن لا ندري ما الذي يبكينا! رغبة الحياة؟ أم شوق التأبد؟ بكينا وبنا ذهول من بشاعة الجريمة الشرف الشهادة التي أحدثت الرجة لرسم «الكل الانساني» نتاجا لخصوصيات جميع الأمم.
بكينا لا ندري ما الذي يبكينا! غبطة الراحل؟ أم شقاء المستقدم؟
بكينا لأننا طعنا من الخلف في نبض هويتنا لما أدركوا خطورة المستنهض لأمة تنشد قمة التحضّر.
بكينا وقد اقتنعنا اليوم ان البكاء لا يرضيك فامتشق السيف يفديك، وانقطع حبل الوصل مع البكاء ونحن لا ندري أكان فعلنا هذا اقتدار الردّ على الجرم؟ أم تحل بتسامح الكرم؟ لا نعلم أكان موقفنا هذا إخلاص ينمّ عن الوفاء أم هو نسيان ينم عن الغباء؟ وليعلم السيد الشهيد ان أبناء أمّته يقبرون العجز ويحيون الجرأة بإعلانها مقاومة شرسة تقتنص، العجّم والغرّب والهمّج والهجّن على حدّ السواء.
لقد استفقنا من ذهول الصدمة وأبناء الأمة يصدّون الهجمة انتشينا فحملتنا الرغبة أن نكون أفلاطونيين، نرتفع بالأنفس من عالم الخسّة إلى عالم الرّفعة، تشبّها بما لا يمكن ان ينسى من أفعال الرّجال، كإبداع يمارس علينا العتب، فيجتذبنا النداء علنا من هذا العالم القريب منكم يا رمزنا الشهيد نبلغك أخبار الوطن بعد الرحيل.
الفرس والمتفرّسون تتعتعهم قشعريرة الحمى، يقينا منهم أن روحك تستنسخ في الأنفس قضية وسوف تحدث البلية.
العرب وما هم بعرب الاخوة في الجنسية يستكرشون من أزمات الأمة وليست لهم قضية.
العرب، العرب يلتحفون الصّبر ويقتاتون الوطنية.
المقاومة تتصعّد نحو احتراف الموت بما يوضّح ملامح الهوية.
الملالي حيارى في إعلان هجانتهم المنحدرة من أبوة كسراوية وأمومة قولدارانيسبة، يحلقون رؤوسهم على طريقة المارينز ويخفونها بتلافيف العمائم على الطريقة القمية.
وفي انتظار مدّكم سيدي بأخبار الوطن في عيد استشهادك الثالث طوبى لروحك اطمئنانا ما دام في الخلف من يقاوم وسيقاوم على العهد الذي رسمت ولن يحيد.
لست عليما لذكر مناقب السيد الشهيد ولست خبيرا في شؤون الوطن، وإنما أنا رأي لا بدّ من الجهر به: ان الرّمز صفة تكتسب بالدربة، على ممارسة الفعل الوطني، وليس هو صفة يهبها الأجنبي، ومن كان به شوق لا مشتاقه، عليه أن يتخذ سيرة صدام حسين نموذجا للرّمز الوطني وهيهات أن يبلغ الرّعاع النّعام هذه المنزلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.