هل أن أزمة الفضائيات التونسية والفراغ «البرامجي» الذي تعاني منه جعلها تستنجد بالمسلسلات التركية؟ هل أن حمى هذه المسلسلات بدأت تجتاح هذه القنوات بصفة رسمية ؟ هل أن عقلية المشاهد التونسي أصبحت منحصرة في الدموع والرومنسية والقضايا العاطفية وكأنه يبحث عن سد ضمئه؟ أم أنها تشكلت من جديد وطرّزت على مقاس مروّجي تلك المسلسلات؟ استفهامات عديدة مردها هذا الهجوم الذي شنته الدراما التركية على فضائياتنا التونسية فمن «مهند ونور» الى «دموع الورد» و «يبقى الحب» و «ميرنا وخليل» و «سنوات الضياع» كلها عناوين لمسلسلات تركية تحاكي نفس الوقائع وتردد نفس التفاهات وتبثها نفس القنوات بل أصبحت متداولة فمن تونس 7 الى قناة 21 ثم الفضائية حنبعل ونسمة TV, هل يعقل أن تساهم هذه الفضائيات التونسية في اعادة تشكيل عقول الكبار قبل الصغار. انه غزو فكري وقلب للموازين فبدلا من تعليم اطفالنا عاداتنا وتقاليدنا واشباعهم بموروثنا وحضارتنا أصبحنا نعلمهم كيف يعيشون على وقع الآخر. بل انهم تحولوا الى أسرى لتلك الأفكار الغريبة عنا .. كل شيء أصبح يحمل صور هؤلاء النجوم الذين صنعتهم فضائياتنا، على واجهات المحلات على الملابس وحتى على الأحذية والبطاقات وللأسف أن الجميع لا يتردد في الاقبال على تلك الأشياء دون خجل أو أسف على عقول ناقصة وقلوب ضعيفة وأفكار وهنة شتتتها تلك المسلسلات الخالية من كل مضمون. ومن كل هدف ما عدا التسلية وتمضية الوقت. أستغرب من فضائياتنا التونسية عندما تبحث عن بث مسلسلات مكسيكية وتركية وصينية وغيرها من المواد المستوردة في حين أننا لا نعرف شيئا عن المغرب العربي لماذا لا تستبدل بمسلسلات تونسية مغربية جزائرية تكون اقرب الى عاداتنا وتقاليدنا والى حضارتنا وتاريخنا بدلا من هذا المستورد الذي أثقل كاهل المشاهد وأضنى فؤاده فتحول الى «مواطن» حساس ضعيف القلب يبكي لبكائهم ويبتسم لابتسامتهم وتغمره الفرحة عندما تكون النهاية السعيدة .. عالم من الخيال والزيف يعيشه جمهور الشاشات الصغيرة ضاربين عرض الحائط بالقضايا الانسانية والمواضيع التثقيفية والمسائل الجادة والهامة التي تصنع فعلا التاريخ وترصد الحاضر وتكون حافزا للمستقبل. فمتى تشفى قلوبنا وعقولنا من هذه الحمّى حمّى المستورد؟