يبدو من نظرة على سطح الأمور أن الاقتصاد العالمي يتعافى، غير انه يعاني في الواقع حالة شديدة من الانفاق المبالغ فيه، وفقاعات الموجودات والاستهلاك المتجاوز. وإن التحدي الحالي هو إعادة موازنة العرض العالمي مع الطلب العالمي. وإن انجاز ذلك بزيادة الطلب دون تقليص العرض (الطاقة الانتاجية) يتطلب توازنا دقيقا بين الدول الدائنة القوية، والدول الضعيفة المدينة. وإن كيفية انجاز ذلك ستحدد اتجاهات النمو والتضخم خلال العقود المقبلة بما يشبه صنع السياسة في السبعينيات والثمانينات الذي فتح الباب لنحو عقدين من النمو الخالي من التضخم. تتراجع الثقة بالدولار على نحو كبير كما ان الدائنين لم تغرهم بعد التعاملات في العملات الأخرى مثل اليورو، واليان، بل إنهم تحوّلوا الى الذهب، والسلع، والأسهم عبر العالم، لأن هذه الموجودات تحافظ على قيمها بغض النظر عن السياسة الاقتصادية الأمريكية، وما يحتمل من إعادة هيكلة للديون. كما أن انتشار مقايضات عجز الائتمان، ونمو مثل هذه الأدوات المالية، يبرز المخاوف بأن يطلب احد البلدان الرئيسية إعادة هيكلة ديونه (بما يتضمن شطب نسبة من تلك الديون) الأمر الذي لا يدع أمام الدائنين سوى خيارات قليلة، بدلا من الاستسلام الكامل. وإن مضاعفة أرقام تلك المقايضات لدول رئيسية مثل الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، واليابان، في العام الماضي، تفيد بأن هذه البلدان لم تعد بعد «راسخة» ماليا. وتعد هذه المقايضات في كثير من الحالات نتيجة لما حدث في سوق العقارات (ما حدث من عمليات بين المؤسسات بما يخفي حجم الديون وتوزيعها فيما بينها) الأمر الذي يهدد الاستقرار المالي ضمن لعبة جديدة من تعاملات المؤسسات المالية. إن عملة احتياطية عالمية تقوم بثلاثة أدوار: تقديم السيولة وضمان تمويل تعديلات البلدان التي تظهر لديها حالات اختلال في موازين المدفوعات، كما أنها ملاذ للأموال العالمية التي تتطلع الى المحافظة على قوتها الشرائية. والحقيقة الواضحة هي أن الاقتصاد العالمي يواجه مشكلات قاسية بسبب السياسات المضلّلة خلال العقد أو العقدين الماضيين. ويمكن تخليصه من المخاطر المذكورة سابقا، لكن فقط إذا أدرك صانعو السياسة هذه الملاحظات الجوهرية الثلاث. أولا، مقاومة الاغراء لإغواء أو دفع الاقتصادات الآسياوية القوية نحو مصيدة العجز والإقراض لمساعدة البلدان المدينة. وعلى النقيض من ذلك، يجب إجبار البلدان التي تعاني العجز كي تعيد توازن اقتصاداتها، بتحملها الأعباء حيث انها حصلت على المنافع في الماضي. وبالقيام بذلك فقط بإمكان الاقتصادات القوية أن تتأكد من أنها لا تجر الى حفرة مظلمة من التمويل الدائم للنفاق الزائد في البلدان الأخرى. والمعالجة الخاطئة لهذا الأمر في ما يتعلق بالتوقيت والاستخدام من شأنها أن تسمح للبلدان التي تعاني عجزا أن تقود العالم الى التضخم، أو حتى الى أسوأ من ذلك، أي الى التضخم المصحوب بركود. ثانيا، ففي حين أن هناك اقتصادا عالميا، إلا أنه لا توجد سياسة اقتصادية عالمية. وتخطط البلدان العظمى سياساتها بشكل رئيس، وفي بعض الأحيان بشكل حصري، بتوجيه من الاهتمامات المحلية. ويؤدي ذلك الى دورة تجارية متباينة تعمل ككابح على التعافي العالمي لأن البلدان الأخرى ستجني بعض المنافع المتدفقة من السياسات الاقتصادية المحلية. فعلى سبيل المثال، إذا طبق بلد ما سياسات توسعية قوية، فربما يمتد بعضها الى الواردات من البلدان التي تمارس سياسات توسعية أقل، الأمر الذي يزيد الانتقادات بأن العمال الأجانب ينتفعون أكثر من العمال المحليين. الملاحظة الثالثة هي أن الاقتصاد، والتجارة، والاستثمار، تشكل معا وحدة كاملة، ولا يمكن فصل خطوات السياسة في واحد من هذه المجالات عن التداعيات على المجالين الآخرين. ويوضح ذلك الضرورة الملحة لوجود حزم سياسات تعمل على تحفيز الطلب العالمي مع تحرير التجارة والتحركات الحرة لرأس المال. وعلى الأرجح أن سياسة منسقة مثل هذه فقط يمكنها أن تدعم سلسلة الإمدادات العالمية التي تضمن التطور لجميع الأطراف، تشعر خلالها البلدان كافة بالراحة لمعرفتها أنها في النهاية ستكون أفضل حال، ولكن من جهة أخرى إذا لم يتم توزيع المنافع أو الأعباء بطريقة عادلة ومقبولة، فربما تنزلق البلدان باتجاه مزيد من السياسات الوطنية أو الحمائية، الأمر الذي يقوض العولمة الاقتصادية.