أقام فيروس «إتش 1 إن 1» المسبّب لانفلونزا الخنازير الدنيا ولم يقعدها منذ ظهوره وحتى اليوم وتعالت صيحات الفزع وموجات الهلع المحذّرة، بل المبالغة في التحذير من خطورته... وتجنّدت عديد الأطراف للقيام بدور الموجّه والناصح، فشاهدنا وسمعنا ما أنهك بصرنا وأثقل سمعنا، من حملات تحسيسية تمثّلت أولى أهدافها في التركيز على عنصر الوقاية. إلى أن جاءنا اللقاح فاتجهت هذه الحملات نحو التشجيع عليه، في ظل عزوف المواطن الذي بقي حائرا أمام تعالي أصوات أخرى تحذّر من مغبّة الاقدام على هذه الخطوة. ونحن اليوم لن نخوض في هذه المسألة، ولكن أردنا تسليط الضوء على جانب آخر بدا لنا من الأّهمية بمكان، حيث لا يمكننا التغافل عنه أو تجاهله عند الحديث عن عناصر الوقاية من أنفلونزا الخنازير، ألا وهو عنصر الغذاء الذي يبقى «الدّرع الواقي» ليس فقط من فيروسات الأنفلونزا بل من عديد الأمراض الاخرى، وكان السؤال الذي تبادر الى ذهننا، لماذا وقع تغييب الحديث عن الدور الوقائي للغذاء؟ «التغذية المتوازنة والغنية بالمغذيات الطبيعية تمكّنك من تقوية وتحفيز الدفاعات المناعية في جسمك، وتعطيك طاقة اضافية لمكافحة الفيروس عند مواجهته». «هذه المغذيات تتدخّل في عملية تكوين «الأجسام المضادّة» (Anticorps) اللازمة للجسم كي يتخلّص من الفيروس المسبب لانفلونزا الخنازير». «لا تهملوا الغذاء الصحي والمتألّف من مكوّنات طبيعية كالخضر الشتوية والفواكه والبقول والسّمك والفيتامينات التي تمثّل سلاحكم لمحاربة الفيروس». هذه النصائح وأخرى مماثلة سجّلت حضورها بكثافة في الحملات التحسيسية والدراسات في عديد البلدان الاوروبية وحتى العربية، بينما ظلّت غائبة لدينا على الرغم من أهميتها. فما هو رأي أخصائيو التغذية في هذه المسألة؟ الغذاء... «درعنا الواقي» حول رأيه في هذه المسألة يقول أخصائي التغذية د. الطاهر الغربي أنه، ومنذ ظهور فيروس اتش 1، إن1، ظهرت بالتوازي معه، عديد الدراسات والكتابات التي تناولت الدور الوقائي الذي يمثّله الغذاء كمقاوم لكل أنواع الانفلونزا على اختلافها. ويضيف أن أهمية دور التغذية كعنصر وقاية فعّال في مقاومة هذه الفيروسات يتأتّى من خلال الوظائف التي تقوم بها، فالتغذية تتدخّل في عملية البناء والتكوين في الجسم التي يقوم بها عنصر البروتينات والزلاليات الموجودة في اللحوم الحمراء والحليب ومشتقاته والبقول والسمك. ومن حيث النوعية، تبقى البروتينات الحيوانية أفضل لأنها تحتوي على الحوامض الأمينية الاساسية المسؤولة عن تكوين الخلايا في الجسم، وبالتالي فهي تتدخّل في تكوين جهاز المناعة، ذلك الدّرع الذي يحمينا من الأمراض على اختلافها. ومن هنا تبرز أهمية الغذاء في تقوية وتحفيز الجهاز المناعي في مواجهة الفيروسات ومنها فيروسات الانفلونزا على اختلافها. أما الوظيفة الثانية التي يلعبها الغذاء، فتتمثل حسب الاخصائي في التغذية في منح الطاقة الكافية للجسم، المتمثّلة في السعرات الحرارية التي تعتبر هامة لكل أعضاء الجسم، وتساعد على القيام بالأنشطة اليومية كالحركة والمشي والرياضة... أما الدور الاهم، الذي تلعبه التغذية فيتمثل في ذلك الدور الوقائي ضد الأمراض. ويقول د. الطاهر الغربي في هذا الاطار ان الغذاء يحمينا من عدّة أمراض، وتقوم بهذه المهمّة خاصة الأملاح المعدنية أو ما يسمّى «بالمغذيات الدقيقة» والفيتامينات التي تساعد الجسم في الوقاية من التعفّنات والالتهابات غيرها. ويفسّر الاخصائي هذا الدور بإطناب فيقول، إن الانسان الذي يعطي جسمه ما يستحقّه من فيتامينات وأملاح معدنية، يقلّل الى حد كبير من فرص الاصابة وحدّتها في حالة حدوثها. سلوكياتنا الغذائية متهم رئيسي يشير د. الطاهر الغربي الى أن الغذاء ونوعيته تتدخل بشكل كبير في تحديد كفاءة عمل جهاز المناعة لدينا في مكافحة الفيروسات.ويوضح أن الغذاء غير المتوازن يساهم بقدر كبير في اضعاف جهاز المناعة وجعله غير قادر على مواجهة الأمراض. ويضيف أن سلوكنا الغذائي اليومي الذي أصبح يرتكز على الأكلات السريعة المحتوية على نسبة هامة من الدهنيات الضارة (الدهون المهدرجة تحديدا) تضرّ بالمناعة وتمثّل أرضية خصبة لظهور الأمراض. ويقول أخصائي التغذية أيضا أن عديد العناصر والمواد الغذائية، تتداخل لتؤمّن للجسم عنصر الوقاية ضد الفيروسات، لنتطرق بالتالي الى الحديث عن مفهوم الوقاية الغذائية. ومن العناصر الغذائية المهمة في مكافحة فيروسات الانفلونزا نذكر الفيتامين «سي» الموجود في الغلال والخضر و«البيتا كاروتان» الموجود في الغلال والخضر ذات اللون البرتقالي مثل الجزر الذي يتحوّل الى فيتامين «أ» في الجسم الذي يؤمّن لنا وقاية كافية ضد أمراض البرد، وكذلك الفيتامين «E» المصنّف في فئة الفيتامينات المضادة لتأكسد الخلايا. ويضيف الاخصائي في تفسيرة لهذه العملية، أن الجسم، عند الاشتغال، يخلّف نفايات تتحوّل الى مواد سامة تساعد هذه الفيتامينات المانعة للتأكسد في التخلص منها. ومن العناصر الغذائية الاخرى المهمة في تأمين عملية الوقاية والحماية ضد الفيروسات ذكر الاخصائي في التغذية الفيتامين «د» الذي ينشّط جهاز المناعة ضد الفيروسات ويوجد في أشعة الشمس والاسماك والبيض. والاملاح المعدنية المتمثلة أساسا في عنصر الزنك الموجود أيضا في السمك وأصفر البيض والخضر مثل السبناخ والبروكلي واللحوم الحمراء... وكل هذه العناصر تقوّي جهاز المناعة وتساعد على التصدي للتعكرات والتعفّنات التنفسية التي ترافق فصل الشتاء. وبالاضافة الى هذه العناصر، توجد مكوّنات أخرى تسمّى «البوليكسينول»، وهي عناصر ضد التأكسد توجد في الشاي الاخضر الذي يحتوي على عناصر مضادة للفيروسات. وكل هذه العناصر الموجودة في غذائنا، تلعب دور الوقاية ضد الفيروسات وتحسّن أداء جهاز المناعة في مكافحة الالتهابات والتعفنات. ولذلك يقول: د. الطاهر الغربي إن نمط العيش ونوعية الغذاء عامل أساسي في تأمين وقايتنا ضد هذه الامراض. لا تهملوا الخضر والغلال من الاكلات التي يشجع عليها أخصائي التغذية والتي تعتبر فعّالة في الوقاية ضد الفيروسات، الاطعمة المكوّنة من الخضر والغلال ك «البرودو» الذي بات الكل يشجع على الرجوع اليه في هذه الفترة في فرنسا نظرا لقيمته الغذائية الكبيرة والمتمثلة في الفيتامينات والاملاح والمياه. وينصح كذلك بالاقبال على تناول المشروبات الساخنة عند برودة الطقس التي تؤمّن عملية الوقاية من الجفاف (نقص الماء) عند ارتفاع درجة حرارة الجسم وتفيد في الحد من التهاب الاغشية المخاطية للحلق، وبالتالي إعطاء أهمية لكل ما هو خضر وغلال والابتعاد عن الاكلات السريعة التي تضعف جهاز المناعة وتجعله هشا في مواجهة فيروسات الانفلونزا على اختلافها. فالتغذية يجب أن يكون لها دور وقائي على حد تعبير الاخصائي، قبل دورها العلاجي. ويؤكد الاخصائي على دور الغذاء المتوازن والصحي والطبيعي في تأمين الدور الوقائي والذي يجب ألاّ تغيب عنه عناصر ومواد غذائية مثل الفيتامينات والاملاح المعدنية والالياف والدهنيات (نوع أوميغا 3) المضادة للالتهاب والموجودة في السمك الازرق وثمار البحر. كما توجد دهون أوميغا 3 كذلك على المستوى النباتي مثل زرّيعة الكتّان الغنية بهذا النوع من الدهنيات المفيدة للجسم. وتتمثل القاعدة الذهبية الوقائية في المحافظة على تناول غذاء متوازن وصحي وجيد النوعية. ويضيف الاخصائي، أنه بالاضافة الى هذه العناصر الغذائية المذكورة سابقا، توجد مواد غذائية أخرى لا يمكننا إهمالها أيضا لأنها مهمة في تأمين الجانب الوقائي ضد الفيروسات، ونذكر من بينها العسل والثوم والبصل والاكليل والزعتر والبسباس التي تصلح كلها للوقاية من أمراض البرد والعدوى الفيروسية، وهي عناصر طبيعية مضادة لتعفنات والتهابات الجهاز التنفسي. فالغذاء يمثل في الواقع قيمة غذائية وقيمة صحية لا يمكننا إهمالها. ويخلص الاخصائي الى القول، أن الحديث عن الجانب الوقائي لبعض المأكولات والاطعمة في التصدي لفيروسات الانفلونزا ولعديد الامراض الاخرى، لا يعني أننا يجب أن نتخلى عن دور الطبيب، بل هي محاولة لالقاء الضوء على أهمية الدور الوقائي للغذاء، وضرورة إيلاء أهمية كافية لهذا المعطى إذا ما علمنا أن 80٪ من الامراض المتواجدة في العالم مرتبطة بنوعية الغذاء.