حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي قد يكون «سي أحمد» بن صالح حذرا.. وقد يكون يحتفظ بمعلومة تهمّ هذا الملف أو ذاك، لكن الثابت الذي أمكن لي فهمه منه، هو أن الرّجل لا يريد أن يخوض في تفاصيل ومعلومات لم يشاهدها بأمّ عينه ولم يسمعها بأذنيه. هكذا كان الأمر مع قضيتي اغتيال صالح بن يوسف وعملية الأزهر الشرايطي التي تنعت بالمؤامرة.. من قبل النظام حينها.. قال «سي أحمد» في حلقة أمس إنه يعلم القليل عن الحدثين، وبيّن كيف أنه كان ملحقا بالديوان السياسي بقرار من الرئيس، حيث لم يكن منتخبا إلاّ متى جاء مؤتمر الحزب ببنزرت.. سنة 1964. يواصل صاحب المذكرات التعليق على الحدثين، ليقول: «الثابت والقار بالنسبة لي، بخصوص مسألتي اغتيال بن يوسف وعملية الشرايطي، هو أن كلّ ما يتعلق بالشؤون السياسية والعسكرية الداخلية، لم يكن أعضاء الديوان السياسي (الحلقة الحاكمة في الحزب الحاكم) يشركونني في أية معلومة». قلت له سائلة: هل كانوا حذرين منك؟ قال: «ربما كان دوري وإعلامي، فقط بالملف الذي أديره، وأعني الاقتصاد».. أعيد عليك السؤال حول علاقة الحدثين ببعضهما البعض، هل تعتقد أن علاقة ما كانت موجودة بين عملية اغتيال بن يوسف وعملية الأزهر الشرايطي؟ قال: «لم يخطر ذلك ببالي.. بل إنه عندما وقع الانقلاب على سياسة التعاضد، هناك من قال لي إن بوقيبة غدّار.. لكني كنت أقول: «لا» أبدا.. لم أكن أتصور أن بورقيبة يمكن أن يكون له ضلع في ذاك الحدث.. سألت: كيف سمعت بحادث اغتيال صالح بن يوسف؟ قال: «سمعت الخبر.. بأنه قتل في ألمانيا».. طيّب من قتله؟ قال: «لا ندري.. فالكلام الذي يُقال، أن الحكاية فيها زرق العيون.. والحقيقة، أنه لم تكن هناك مؤسسة أو جهة، أصدرت بلاغا في الأمر.. أو تبنّت العملية.. كان التشويش على زرق العيون.. ولكني لا أتذكر أن تهمة وجهت إلى أحد بعينه أو جهة معيّنة بشكل رسمي».. قلت ل«سي أحمد»: هل كنت تعرف البشير زرق العيون؟ فقال: «كنت أعرفه مثل الناس.. كان من المناضلين في الحزب.. أخي الدكتور محمد بن صالح، كانت له مجموعة نضالية سرية سنوات الأربعين من القرن الماضي، كان من ضمن عناصرها زرق العيون.. كانت مجموعات شبيهة بالحرس، وكان زرق العيون بمثابة مدير هذا القطاع.. قطاع الحرس.. كانوا في مجموعات، يقاومون الاستعمار ويترأس هذه المجموعات شقيقي الذي يكبرني طبعا، الدكتور محمد بن صالح.. ما علمته في ما بعد، في وقت زمني متأخر، من بورقيبة، أنه هو (زرق العيون) منظم عملية الاغتيال.. فقد علمت بذلك من بورقيبة في قصة وظروف سبّبت لي صدمة نفسية كبرى وشديدة». وسوف نروي تفاصيلها لاحقا، عندما يحين موعدها في الترتيب الزمني.. وهنا غيّرت فحوى الموضوع الأول، لأسأل «سي أحمد»: كيف كان ردّ فعلك الشخصي على عملية الأزهر الشرايطي، التي قلت عنها إن الأمريكان هم من أعلموا السلطات التونسية، وأنها قدّمت لكم وللشعب على أنها مؤامرة لقلب نظام الحكم؟ عن هذا السؤال، يقول صاحب المذكرات، وقد أخذ نصيبا لا بأس به من التفكير: «لست واثقا، ولم أكن واثقا، أن هناك مؤامرة.. تونسية بحتة».. فإلى حلقة قادمة وتفاصيل أخرى، من التي تكشف لأوّل مرّة..