لا يمكن أن تبدأ سنة إدارية جديدة من دون أن نتذكر انطلاق الثورة الفلسطينية الحديثة يوم 1 جانفي 1965 ونقول حديثة لأن فلسطين لم تهدأ ثوراتها وانتفاضاتها منذ أن بدأ التآمر الصهيوني الانقليزي على اغتصابها.. ثورات وانتفاضات لم تؤت أكلها لا من جبن في الشعب الفلسطيني وأمته ولكن لمواقف من ساكني السرايا والقصور المتربعين على العروش.. ويسجل التاريخ.. في مقال سابق تحدثنا عن حكومة عموم فلسطين وسعي قادة فلسطين في الأربعينات الى إقامة حكومة تمسك بزمام السلطة وقد حددت بريطانيا موعدا لإنهاء انتدابها في الساعة الصفر من يوم 15 ماي 1948 وتابعنا فصول المقاومة الرسمية العربية لجهد المفتي الحسيني ورفاقه.. صدر قرار التقسيم ودخلت «الجيوش العربية» الحرب لمنع الاغتصاب واختاروا لقيادة هذه الجيوش ضابطا انقليزيا هو (غلوب باشا) الذي أمر بوقف القتال عندما كان الصهاينة يتقهقرون ومكنهم من مهلة لوصول المدد والنفير.. وبين عامي 48 و49 ضاع ما يزيد على نصف فلسطين ولم يطرف لحكام الطوق جفن بل ضموا ما تبقى الى إداراتهم.. ولم يستكن أبناء فلسطين الذين حاربوا وكان ياسر عرفات عام 48 مقاتلا في «جيش الجهاد المقدس» بقيادة عبد القادر الحسيني. وفي عام 1951 تأسست في القاهرة (رابطة الطلاب الفلسطينيين) وفي وقت مبكر رفع الطالب خليل الوزير شعار «فلسطين أولا» وشرع مع ثلة من رفاقه محمد الافرنجي وحمد العايدي (أبو رمزي) (توفي في نهاية التسعينات في الأردن) ونصر عبد الجليل وعبد الله صيام (استشهد على أبواب بيروت عام 1982) في الاعداد لمقاومة مسلحة. وشهد قطاع غزة (الذي ألحق بالادارة المصرية) عديد العمليات ضد العدو بين عامي 53 و55 على خطوط الهدنة وفي العمق وصولا الى النقب (تفجير أنابيب المياه زرع الألغام الخ..) وكانت أكبر عمليات هذه النواة الأولى من الشباب تفجير خزان «زوهر» في 25 فيفري 55 وبسببها أطلق على الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) لقب (أول الرصاص). وكان الرد الصهيوني عنيفا حيث هوجم موقع «بئر الصفا» ونسف خزان مياه الشرب في غزة ونصب كمين لدورية عسكرية مصرية قتل فيها 28 من العسكريين.. واغتنم العدو فرصة احتلاله للقطاع لمدة أربعة أشهر إبان العدوان الثلاثي على مصر لينفذ مذابح مروعة ضد أبناء غزة راح ضحيتها ما لا يقل عن 1200 شهيد.. وكان ياسر عرفات قد كتب بدمه الى المشير محمد نجيب إثر اندلاع ثورة 23 يوليو 52 (لا تنسى فلسطين).. ولكن كان موقف حكومة الثورة منع أي عمل عسكري من حدود غزة إلا بالتنسيق مع المخابرات المصرية بل ان (أبو يوسف النجار) اعتقل لمدة خمسة عشر شهرا (اغتيل في عملية الفردان ببيروت في (10 4 1973).. وأغلقت الجبهة المصرية وكذلك الجبهة الأردنية بحجة منع الاعتداءات الصهيونية على المدن والقرى في الضفة الغربية التي ألحقت بعد الاغتصاب بالمملكة الأردنية. تفرق الشباب أثناء وبعد دخول الصهاينة الى غزة عام 56: خليل الوزير الى السعودية ثم الكويت، حمد العايدي الى الخليل في الضفة، كمال عدوان الى القاهرة ثم السعودية (اغتيل هو أيضا في عملية الفردان مع النجار وكمال ناصر)، عبد الفتاح الحمود الى السعودية ثم قطر، أبو يوسف النجار بعد مغادرته المعتقل عام 57 الى قطر، يحيى عاشور الى النمسا وأوروبا الخ.. أما ياسر عرفات الذي كانت عائلته تقيم في مصر فقد شارك في عمليات المقاومة في قناة السويس وفي صدّ العدوان حيث كان ضابطا في سلاح الهندسة بالقوات المسلحة المصرية (كان خريج كلية الهندسة) ثم سافر الى الكويت للعمل.. وهناك كان اللقاء.. في البداية ستة من الشباب كان بينهم عرفات والوزير ثم عدد أكبر حيث انضاف إليهم صلاح خلف (أبو إياد) وخالد الحسن وكمال عدوان والنجار وآخرون، ثم انضاف آخرون كان من بينهم أبو علي إياد وسليم الزعنون ومحمد غنيم وفاروق القدومي وهاني الحسن ومحمود عباس الخ.. وفي الكويت في عام 1957 أنشأ الجمع حركة التحرير الوطني الفلسطيني، اختصروها بحروفها الاولى فكانت (حتوف) حذفوا الواو فصارت (حتف) فقلبوها لتصبح (فتح) وقال عرفات: حتف تعني الموت ونحن شعارنا ثورة حتى النصر وليس ثورة حتى الاستشهاد.. وأنشئ لها جناح عسكري (العاصفة) وراية صفراء تخليدا للون الذي اختاره صلاح الدين الأيوبي لرايته.. وتحركوا في الدول العربية وفي داخل فلسطين لحشد الشباب للثورة وأصدروا نشريا (فلسطيننا / نداء الحياة)... وببنادق قديمة انطلقت الثورة الحديثة وكانت العملية الأبرز تدمير نفق (عيلبون) الذي أعده الصهاينة لنقل مياه نهر الاردن الى صحراء النقب. كانت كلمة السر «حتى يغيب القمر» وكان أول شهيد احمد موسى، وكان البلاغ الاول يوم 1/1/65.. والقصة طويلة، والمسيرة مثقلة، ولوحق الفدائيون وسجن ياسر عرفات في دمشق وفي لبنان وعذب... وصاح شاعر الثورة الفلسطيني (موش طالب ترافقني.. احمي لي ظهري يا خويا وما تخلي ايدين الشر وعينيها تلاحقني)... وجاءت هزيمة 1967.. تلتها معركة الكرامة الخالدة في 21 مارس 1968 التي مرغ فيها ثلاثمائة فدائي والجنود الاردنيون انف موشيه ديان في الوحل وغدت فتح وفلسطين مغناطيس الشباب العربي من كل الساحات ووصلت عمليات العاصفة الى 240 في الشهر. ولكن.. كان ايلول الاسود سبتمبر 1970 وذبح الفلسطينيون في الاردن وأخرجوا من أطول جبهة من العدو.. وبدأت العواصم العربية «القومية» تزايد وتنشئ المنظمات والجبهات والحركات «لتحرير فلسطين؟» وبدأ التآمر على الثورة والانشقاقات في فتح: فتح/المجلس الثوري، فتح الانتفاضة الخ... وانتقل الثوار وقيادتهم الى لبنان. وكانت الحرب الاهلية اللبنانية (1975/1990) وقتل فيها أبناء الثورة ولم ينسوا فلسطين فحصل اجتياح الجنوب عام 78 ولم ينه الثورة.. وحصل الاقتتال في طرابلس ثم كان الاجتياح عام 82 وأخرج الثوار من آخر الساحات بصمت عربي ان لم نقل بمباركة عربية. وتطورت الاحداث صراعا وصولا الى أوسلو واختارت القيادة وهي تصارع الأمواج العاتية الدخول الى أرض الوطن.. وكانت ثورة الحجارة فلم يتحرك أحد ثم كانت انتفاضة الاقصى عام 2000 وحوصر ياسر عرفات بل اعتقل ثم اغتيل والعرب يتفرجون بل قدموا المبادرات التي رد عليها الصهاينة بمزيد المجازر.. ونزع سلاح المقاومة من أيادي شباب الضفة ورفضت غزة تسليم سلاحها فدكت على رؤوس ابنائها وحوصرت برا وبحرا وجوا.. والعرب يتفرجون بل قاموا بحصار من تحت الارض وهو ما لم يشهد التاريخ مثله... وصرخ محمود درويش كاتب وثيقة الاستقلال والرافض لأوسلو وسلامه الموهوم (لا تكتب وصيتك الاخيرة والسلاما / واسحب ظلالك عن بلاط الحاكم العربي حتى لا يعلقها وساما/كم كسروك كي يقفوا على ساقيك عرشا.. وتناسوك وانكروك.. حطوك في حجر وقالوا لا تسلم.. ورموك في بئر وقالوا لا تسلم... وأطلت حربك يا ابن أمي ألف عام.. ألف عام في النهار.. فانكروك.. لأنهم لا يعرفون سوى الخطابة والفرار.. هم يسرقون الآن جلدك.. فاحذر ملامحهم وغمدك.. كم كنت وحدك يا ابن أمي)...