قراصنة أفلام ال«دي في دي»، هل نلومهم؟ هل نقاضيهم ونعاقبهم؟ هل نقطع رزقهم أم نشكرهم ونقول لهم عوّضتمونا حرمان سنوات طويلة قضيناها بلا قاعات وبلا أفلام ظللنا نتابع أخبارها ولا نراها؟!.. أسئلة كثيرة تبادرت الى ذهني وأنا أتابع نقاشا بين عدد من الزملاء حول ما آل إليه قطاع الاستغلال والتوزيع السينمائي في تونس وقاعات السينما تحديدا، ولعل ما أثار استغرابي في النقاش، اكتشاف أحد الزملاء أن وزارة الثقافة هي التي تمنح تراخيص تحويل قاعات السينما الى فضاءات تجارية، بمعنى أنها هي التي تقوم بغلق القاعات في الوقت الذي تعطي فيه في المقابل منح دعم الى أصحاب هذه القاعات تفوق أحيانا 200 ألف دينار. وأغرب من ذلك أن وزير ثقافة سابق عمل كل ما في وسعه للترخيص لأحد المستثمرين لتحويل إحدى القاعات الواقعة في قلب العاصمة الى فضاء تجاري لبيع الملابس الجاهزة. وحصل المستثمر على الترخيص، وينشط محله حاليا بشكل كبير. الآن وبعد أن رحل الوزير، وتيسرت عملية منح التراخيص وأغلقت ب«فضلها» عديد القاعات التي تحولت الى فضاءات تجارية، أصبح المتهم الرئيسي في قضية تردّي قطاع الاستغلال والتوزيع السينمائي، أصحاب محلات النسخ الرقمي (القرافير) بحكم عملهم في قرصنة الأفلام وترويجها. وفيما يشتكي من تبقى من الموزعين وأصحاب القاعات من تفاقم جرائم القرصنة، وتأثيرها الخطير على نشاط القاعات، تطالعنا الأخبار بأن أكثر فيلم تمت قرصنته في العالم هذه الأيام هو فيلم «أفاتار» (Avatar) للمخرج الأمريكي جيمس كاميرون حيث انطلقت أولى عمليات قرصنته بعد 48 ساعة فقط من ظهوره في القاعات الأمريكية وتمّت قرصنته 900 ألف مرة، في المقابل يلاقي الفيلم حاليا داخل قاعات السينما، إقبالا منقطع النظير حيث يتصدر قائمة الأفلام الأكثر إيرادات. هل نتهم قراصنة الأفلام في تونس بموت السينما، وغلق القاعات، لا لشيء سوى لكونهم نجحوا، ولو بشكل غير شرعي، فيما عجز عنه الموزعون لما امتنعوا عن استقدام فيلم «2012» لرولان إيمرتس، بتعلة أنه تمّت قرصنته ولا يوجد عدد كاف من القاعات يعرض فيها؟ إن ما يهم جمهور السينما، هو توفر الفيلم سواء في القاعات أو لدى القراصنة. صحيح أن مشاهدته في السينما أفضل بحكم أنها الفضاء الأصلي لعرضه ولكن ماذا لو لم يتوفر فيها، هل ننتظر قدومه بعد أشهر أو أعوام، أم نسارع لاكتشافه حتى وإن كان بشكل غير شرعي، أضف الى ذلك أنه لا وجود لمانع قانوني يحظر على المستهلك وحتى البائع، شراءه أو بيعه. إن ما نستنتجه من وضع السينما في تونس وتحريرا قطاع الاستغلال والتوزيع السينمائي، هو أن عوامل أخرى كثيرة وراء تردي القطاع وليس القراصنة فحسب، وأهم هذه العوامل، عقلية المستثمرين الفارغة من كل حسّ ثقافي وطني.. يشيدون العمارات والأحياء السكنية والفضاءات التجارية..ولا يفكرون في بعض الأمتار يخصّصونها لقاعة سينما أو فضاء ثقافي.. أضف الى ذلك غياب قانون يفرض عليهم تخصيص مساحة للسينما والثقافة في كل مشروع سكني أو تجاري..