تستعد بلادنا لإطلاق «التلفزة الرقمية الأرضية» التي تعرف بالتسمية اللاتينية (Télévision numérique terrestre: TNT)، وهي تقنية بدأت تشغل الناس وتطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل التقاط القنوات التلفزية في بلادنا، غير أن الكثير من الأجوبة تكاد تكون مغلوطة، أو تخص مجتمعات أخرى مختلفة عن بيئتنا في تونس، كما أنه من المهم أن نعرف حظوظ نجاح هذه التقنية في مواجهة البارابول حيث برع التونسيون في التقاط آلاف القنوات التلفزية الرقمية مجانا. ومن هذه الأجوبة المغلوطة أننا سوف نجد أنفسنا مضطرين لرمي أجهزة التلفاز القديمة في الزبالة والحصول على أجهزة حديثة، أو أن التلفزة الرقمية سوف تعوض أنظمة البارابول. باقة أرضية في البداية، نذكر أن التلفزة الرقمية الأرضية قد ظهرت منذ التسعينات وكانت اليابان من أول روادها. كما يجب أن ندرك أن أهميتها ليست في جهاز التلفاز الرقمي ذي الجودة العالية فقط، بل خصوصا في إنتاج برامج ذات الدقة العالية التي تحمل الرمز HD. والبث التلفزي الرقمي هو أكبر ثورة في هذا المجال بعد البث التناظري (الحالي في تونس)، وتقوم هذه التقنية على بث برامج التلفزة الرقمية على هوائيات أرضية يمكن التقاطها بالهوائيات التقليدية فوق السطوح أو حتى فوق التلفاز نفسه في أماكن الاستقبال الجيدة، أي أنه لا يوجد أي تغيير من ناحية الهوائي الأرضي. وتتميز هذه التلفزة بإمكانية بث عدة قنوات في «باقة» رقمية وفق نظام الضغط MPEG لكن دون أن تبلغ طاقة الأقمار الصناعية في عدد القنوات التي أصبحت تعد بالآلاف في كل قمر صناعي. وفي تجارب الدول الأوروبية تتضمن كل باقة في المعدل 30 قناة بين المفتوحة للعموم والمشفّرة، كما يمكن بث معلومات جانبية مثل جدول البرامج والمعلومات المفيدة وغيرها. ومن ميزات التلفزة الرقمية الأرضية إمكانية التقاطها في الحاسوب سواء كان مكتبيا أو محمولا وكذلك في أجهزة الهاتف الجوال من الجيل الثالث. تدريجيا من الناحية التقنية، يحتاج التقاط برامج التلفزة الرقمية الأرضية إلى جهاز ترميز décodeur TNT لفك الضغط الرقمي، وهو ما لا يوجد في أجهزة التلفاز القديمة، ولذلك يجب شراء هذا الجهاز الذي يبلغ ثمنه حوالي 60 دينارا لكنه ما يزال غير متوفر في الأسواق التونسية لانعدام الحاجة إليه. أما في الأجهزة الحديثة وخصوصا البلازما والأل سي دي، فهو كثيرا ما يكون مدمجا، كما أن صانعي العلامات الشهيرة يعتمدون أنظمة متطورة للتلفزة الرقمية تتيح عدة مواصفات إضافية. أما الهوائي فلا تغيير فيه بتاتا، لكن المسألة تتعلق بالأماكن التي سوف يشملها البث الرقمي الأرضي وهو ما يجب أن يشغلنا في المرحلة الأولى. وفي هذا المجال، يجب أن نعرف أن البث التلفزي التناظري الحالي لن يختفي بين يوم وليلة ولا حتى أشهر، بل سيحتاج إلى سنوات حتى يكتمل نشر النظام الرقمي الأرضي تدريجيا بدءا بالمدن الكبرى والتجمعات السكنية. كما أنه من المهم أن تهاجر القنوات التلفزية المعنية بهذا النظام إلى إنتاج برامج رقمية ذات مواصفات الدقة العالية HD وهو ما سيتطلب استثمارات مالية وعلمية كبيرة ومكلفة وبالتالي وقتا للتأقلم وأقلمة النظام كله. والشيء الوحيد الذي سوف يكون مضمونا منذ إطلاق التلفزة الرقمية الأرضية هو عدد القنوات الذي سوف يتضاعف عدة مرات، ومن المتوقع أن يشمل عدة قنوات ذات قيمة خاصة من أوروبا والمشرق. بين البارابول والأرضي بقي أن نضع تقنية التلفزة الأرضية الرقمية في البيئة التونسية حيث تعود التونسيون على التقاط مئات أو آلاف القنوات التلفزية عبر البارابول مقابل استثمار بسيط في حدود 100 دينار دون أي كلفة أخرى. إذن سوف تجد التلفزة الرقمية الأرضية نفسها في مواجهة صعبة خصوصا إذا تطلب الأمر شراء تلفاز جديد أو حتى إنفاق 60 دينارا ثمن جهاز الترميز من أجل مشاهدة 20 أو 30 قناة أغلبها متوفر في القنوات الفضائية. إن التجربة العربية الوحيدة في هذا المجال كانت في المغرب، حيث يتم بث باقة ذات 12 قناة في المدن الكبرى المغربية، رغم أن أغلب هذه القنوات متوفر في الأقمار الصناعية فهي تلقى بعض النجاح التدريجي. أما في تونس، فيبدو جمهور الكرة ومسلسلات رمضان من أكثر المهتمين بمثل هذا العرض إذا نجحت التلفزة الرقمية الأرضية التونسية في ضم قنوات متخصصة في هذا المجال. وفي كل الحالات، لن نتخلص من التلفاز الحالي قريبا، ولا حتى في العام القادم.