في افتتاح أشغال مجلس الوزراء الأول بعد التحوير الوزاري الذي جرى الأسبوع الماضي حرص الرئيس بن علي على وضع النقاط على الحروف.. من خلال كلمة رسم فيها الخطوط العريضة لعمل الفريق الحكومي للسنوات الخمس القادمة.. وعلى وضع خريطة طريق تبيّن للوزراء ما لهم وما عليهم أثناء أدائهم لمهام وظائفهم. لعلنا نتفق منذ البداية أن أداء بعض الوزراء اصطبغ أحيانا بالتردد والانتظار في زمن لم يعد مسموحا فيه لا بالتردد ولا بالانتظار.. وفي زمن بات يتطلب المزيد من الحيوية والحركية والمبادرة والانفتاح على الكفاءات والاقبال على الواجبات بروح عالية من الأمانة والمسؤولية بغية استنباط طرق عمل أنجع وأقدر على خدمة المواطن والمجموعة.. والأكيد أن البعض اختفى في السابق وراء التعلّل بانتظار تعليمات أو أوامر «من فوق» لمواراة التردد أو لتبرير غياب الحسم في ملفات ومسائل لا تحتمل التأجيل.. الأكيد أن هذه العقلية «الانتظارية» التي يلجأ إليها البعض.. وهم أقلية في كل الأحوال ظنّا منهم أنها توفر لهم «حماية» وهمية أو «حصانة» مؤقتة من عواقب الخطإ أو سوء التقدير أو الاجتهاد الخاطئ على أساس أن من لا يعمل ولا يخطئ لا يتعرض للأضواء.. وبالتالي يكتسب حصانة وهمية من المحاسبة والمساءلة قد عشّشت (خطأ) في بعض العقول وطبعت أداءهم بشيء من البطء وحتى الاستهتار بمصالح البلاد والعباد في زمن يفوز فيه المبادر والجسور.. والأكيد أيضا أن الحرص على استئصال هذه العقلية هو الذي دفع الرئيس بن علي الى وضع خريطة الطريق تلك.. ليتبيّن الوزير وكاتب الدولة والمسؤول السامي حدود مسؤولياتهم.. فيقطعوا مع شيء إسمه التردّد وانتظار التعليمات والأوامر «من فوق».. فما فوقهم هو ضمائرهم وهو المصلحة العليا للبلاد وهو مصلحة المواطن التونسي.. وما فوقهم هو الاجتهاد والمبادرة والتحرّك نحو التقاط وتفعيل الكفاءات وتوظيفها في استنباط طرق وأساليب عمل جديدة.. وفي حسم الملفات والمصالح في آجال قصيرة تيسّر على المواطن وتستأصل الروتين من كل مفاصل الادارة.. ولتكتمل الدائرة فقد عرّج رئيس الدولة على تعاطي الوزير مع الاعلام.. مؤكدا أننا «في بلد ديمقراطي تعدّدي الاعلام فيه حر والمواطن فيه مسؤول».. وداعيا الى تيسير الوصول الى المعلومة والقبول بالرأي والرأي المخالف وبالنقد متى كان بناء ومسؤولا.. وبالفعل فإن «توفير الخبر الصحيح والمعلومة المطلوبة بكل صراحة وواقعية» هو الأساس لاعلام حرّ وناهض ومسؤول.. إعلام يدحر فيه الخبر اليقين كل أثر للاشاعة.. وتغلق فيه المعلومة الدقيقة الباب أمام أي تأويل بريء أو مغرض .. إن هذه الكلمة العميقة في مضامينها ومعانيها وهذه المصارحة التي أرادها الرئيس في أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد التحوير الوزاري يأتلفان ليرسما ملامح خريطة طريق للفترة القادمة.. ولرسم أقصر الطرق الموصلة لتجسيد النقاط الواردة في البرنامج الانتخابي لرئيس الدولة والذي وضع تحت تحدّ كبير: «الارتقاء بتونس الى مصاف الدول المتقدمة.. وهو تحدّ يتطلب منا جميعا التحلي بعقلية جديدة.. عقلية مبادرة.. تستقرئ النجاح وتقفز لتحقيقه وقطف ثماره بعيدا عن أي تردّد أو انتظار.. والأكيد أن رسالة الرئيس وصلت الى الجميع.. وفي كل المواقع.. لأنها رسالة مضمونة الوصول.