الاستراتيجيات المتبعة الى حد الآن من طرف مختلف الجهات الساهرة على هذا المنتخب هل كانت مؤثرة وفاعلة هل استثمرت بما فيه الكفاية من حيث الامكانات البشرية والمادية من أجل بلوغ التفوّق. هناك من يرى أن الانتماء الى النخبة الافريقية يستوجب استثمارا افضل وأعلى على عكس البقية الذين يتذمّرون من المبالغ المشطة المكلفة للتحضيرات وغيره مقارنة بما تحصل عليه هذا الفريق من نتائج. شخصيا أرى ان هناك مشكل عميق في الظروف نفسها لبناء منتخب عتيد: المقاييس مغلوطة والشغل الشاغل هو البحث عن النتائج العاجلة والكسب على المدى القصير، اذ ان صقل اللاعبين الدوليين يتطلب عملا قاعديا يأخذ فاعليته ابتداء من الفرق نفسها، فسياسة حرق المراحل اثبتت محدوديتها خاصة بالنسبة الى شعب لا يتجاوز عدد أفراده الأحد عشر مليونا وهو ما جرنا الى تجنيس سانطوس وكلايتن (افريقيا 2004) لأنه آنذاك كانت الجهات المسؤولة عن المنتخب أكثر واقعية وقدرة على تحديد المصلحة وأمنت بأن الاستحقاق وهو تنظيم كأس افريقيا يستدعي تحرّكا على المستوى القصير بحل قد لا يرضي البعض لكن فاعليته تجسّمت بوضوح مستعملين تلك القولة المأثورة «الغاية تبرّر الوسيلة». الآن نحن ندرك ان البذرة التي أفرزت الدراجي والمساكني والعيفة أثمرت بفضل إنشاء مركز برج السدرية مع بعض الاحاطة ولكن تبيّن ان ذلك يبقى غير كاف للحصول على الكمّ.. والذي يبقى رهين اعتماد خطة إصلاح شاملة للنوادي بالذات لتعميم التكوين القاعدي واستكشاف المواهب... وهنا يجدر بنا التعرض الى المسائل الترتيبية والتنظيمية حتى لا تضيع المواهب التونسية في الزحام فبلدان أمريكا اللاتينية: الارجنتين والبرازيل وبعض البلدان الافريقية تتألق في أعتى التظاهرات لأن كرة القدم هناك لها بعد ثقافي منذ النشأة، الطفل في حواري «ريو دي جانيرو» يدرك انه بفضل كرة القدم سيخرج من عالم الخصاصة الى عالم المجد والمال... إذا لم تكن له كرة حقيقية فهو يستنبط ويتوكل على الله... اما الفضاءات فحدث ولا حرج وهنا تنفجر طاقاتهم ولا يبقى الا احتوائهم ضمن نواد تؤمن بمبدإ «كوّن واستثمر ثم اعد تطوير استراتيجيتك بما يتناسب مع متطلبات السوق وبما يضمن جودة الانتاج». فكرة القدم أصبحت من «الصناعات الثقيلة» التي تدر على المستثمرين فيها أموالا طائلة وتتداخل فيها عدة أطراف من سماسرة وحقوق بث.. أما معنى متطلبات السوق فهو مثلا فيما يخص تكوين المهاجم التي أصبحت تتطلب اكثر وقت وحرفية لذلك هو عملة نادرة والآن ايضا فإن سرعة كرة القدم الحديثة أضحت تستوجب تركيز العمل مع اللاعب السريع منذ نشأته كما ان حارس المرمى أضحى قطاعا لوحده لخطورة دوره في الكرة الحديثة فخصص له مدرب وعمل منفرد اضافي له خصوصيته مع المتابعة النفسية الدقيقة (القصراوي بعد المجد ذاب وانطفأ بفعل انقطاع التأطير والمتابعة وسيكون المصير نفسه لآخرين). إذن وحتى ندرك ما نصبو اليه من تطوّر لكرتنا وجب القطع مع «التلفيق والتروشيك والبعلي» والاتجاه لعمل من الجذور ومن الأعماق حتى ولو كان هذا يتطلب وقتا لأن الاستراتيجيات الثابتة لم تعد تجني شيئا في عالم متحوّل.