إذا كنت تحب المسرح فستتمتع بمشاهدة مسرحية «آخر ساعة» وإذا كنت لا تحب المسرح، فستحبه حين تشاهد المسرحية. رغم ما ستخلفه من تساؤلات عن الألم والأمل، الموت والحياة. «نجمة» ليلى طوبال فتاة جميلة أنيقة منتمية، صاحبة موقف أو مواقف، عصرية جداً. تدخل إلى الغرفة حيث لا ديكور إلا جدار. يتغير حسب حاجيات الأحداث في المسرحية، وكرسي هزاز يتيم. تبدأ «نجمة» بمناداة «دادا» بعصبية. تجيبها «دادا» من الداخل بجمل متتالية سريعة متعودة قولها كل يوم. لكن ما تطلبه «نجمة» اليوم مختلف عن طلباتها العادية من فطور وقهوة ولباس. اليوم تتساءل حول «الساعة» الساعة الغاشية، الساعة القارعة، زارتها قبل ساعة لتخبرها أنها ستعود بعد ساعة لتحملها معها. تتساءل في وجل عن تفاصيل لحظة الموت. يرتطم عالمها المستكين مع تاريخ موتها المعلنة. هل تعرف الموت أنها لم تفعل كل ما كانت تريد؟ لماذا تأتي الموت هكذا في زيارة فجئية؟ هل زيارتها مبرمجة منذ يوم ولادتها؟ لماذا تأتي قبل ساعة من دق الساعة؟ سيرفعون أصبعها بالشهادة وينتهي كل شيء؟ تنتهي حياة قبل أن تبدأ؟ لكنها صاحبة واجب طول حياتها القصيرة والسريعة ، تتعلق بأشياء الحياة هرباً وبحثاً عن طمأنينة. لا بد أن تنهي بعض المهام قبل أن ترحل. قضايا معلقة و شكاوى تنتظر حلولاً ، أن تغير وصيتها ... تدخل « دادا» ريم الحمروني الرائعة تغني بصوتها الأخاذ. عجوز تركت الأيام بصماتها على وجهها وجسدها المنهك التفاصيل. تحاول «نجمة» أن تشرح لها قدوم الساعة. أنها ستموت كأمها شابة وناقصة عمر.. والتي ماتت عند ولادتها لتربيها «دادا». يعود « بغدادي» الأب بحري الرحالي من العالم الآخر. ليحاسبه الجميع :ريم على حبها المهجور ورفضه الإعتراف بطفلتها، التي خطفتها الموت رحمة من مصير شبيه بمصير أمها. علي اسامة كشكار الذي أبدع في أداء دوره. إبن الجنان فرجاني الذي تبناه الأب قبل موته، يروي الزمان كما يتلوه عمره الفتي اللامبالي. هو يريد أن يعيش حياته على طريقته ويطالب نجمة بإعطائه حصته التي منحه إياها الأب. ربما لا تخاف «نجمة» من الموت بل من فراق الحياة، حتى حين يعود زوجها المتوفي ليستعجلها اللحاق به. تعتبر أنه أخيراً سيقع شيء مهم في حياتها. ترقص «نجمة» رقصة الموت بجسد يأبى أن يكشف عن إستسلامه لقدر الساعة. وتستعير كلمات من الحياة اليومية وجمل وشعارات أحياناً متصنعة كالحياة التي عاشتها. وتحكي الدنيا... وما جرى فيها ... وكيف أصبحت ... تحاول «نجمة» محاكمة سنوات الجمر الأخيرة التي تركت كل منها شقاء ودمارا وخرابا وصراعات للسنة الموالية لتكثف المآسي وتعطيهم للسنة التي بعدها...لتستوطن الذاكرة . في إنتظار الساعة التي ستأتي بعد ساعة تحكي نجمة حياتها وموتها ، التي لا تشبه الآخرين (ماشية وفرحانة اللي فاليجتي مليانة بحكايات ما تشبهش حكاياتكم) تحكي عائلتها ... الوطن والوطن الكبير ... معالم العالم المنكوب ... غزة، لبنان، 11 سبتمبر، ساركوزي وزواجه.. القمع، الإرهاب، الديمقراطية،التعصب (أنا اللي فاراتي عورة وزنودي عورة) المجتمع من خلال التلفزيون وبرامجه الإجتماعية الحية، يحكي مجتمعاً متدهوراً عاريأً تخلى عن حشمته وحيائه ونشر حميميته وخصوصياته على الملإ, ومقدمو برامج يحملون سخافة وجهل تعكس ما يقدمون من مواضيع إجتماعية فاضحة ومفضوحة. تلازم بنيوي في النص والأداء، بين الحياة والموت. وكل صورة شخصية تحيل بشكل من الأشكال إلى عالم مؤجل. فتتجاور اللعبة المسرحية مع مكامن الإحساس. على أنها تقرير حسي مكثف وليست مجرد صور مكتوبة. ليلى بصراحتها الجارحة كانت خطاباً مباشراً لمن يفهمه. وليخفف ربما من عبء الثمن الأخلاقي لانتهاك جسدٍ هاجع لا يملك حق الإعتراض على تخليده ميتاً. ورغم أنني لست بناقدة مسرحية متمرسة لكنني أعجبت بإستيعاب تمازجي بين التقنية المسرحية ، الديكور المتجرد والمتعدد الأداءات. فمن الديكور يخرج الأب من قبره ، ومن الديكور يعود الزوج من الموت متسلقاً الجدران وكأنه بهلوان يمشي في الفضاء .وإلى الديكور يذهب من تناديه الساعة. قراءة جمالية في مفردات المسرح التجريبي المتجدد دائما، بما أنه في حالة بحث مستمر. (الموت حد ما يعرفها. الحيين خلقولها ألف وجه وألف حكاية. بلا موت الحياة لا عندها لا مطعم ولا لون ولا ريحة. هذي حكاية حي حتى تجي حكاية ميت). شخصيات المسرحية التي أبدعت الأداء هي خيوط الحكاية. أما اللعبة فلا أملك براعة ليلى طوبال لروايتها، ولا أنامل الساحر عز الدين قنون لتحريك الخيوط. هل عاشت نجمة؟ هل أتت الساعة؟ هل «ماتت» نجمة حياتها في إنتظار الساعة؟ ترى كم عمر الموت ؟