يوم الاحد 30 أكتوبر 1983 أي منذ 27 سنة تقريبا كتبت مقالا بجريدة «الأنوار» تحت عنوان «منزل النور مهددة بالموت». وكنت أقصد بذلك الوضع العقاري الصعب الذي كانت تعيشه تلك البلدة في تلك الفترة حيث فاق سعر متر المربع الواحد الصالح للبناء ما يباع به في المنازه وفي أرقى الضواحي بالعاصمة والمدن الكبرى. ويومها قلت إن شباب هذه المدينة قد يجبر يوما على الهجرة الى جهات أخرى يبحث فيها عن مسكن يتماشى وإمكانياته من الادخار والاقتراض ويترك أرضه وموطن ذكرياته وأحلامه وآماله. ومضى الزمان سريعا وانقضت قرابة 3 عقود. وأزمة الاراضي الصالحة للبناء زادت استفحالا. فما هي الاسباب؟ في 24 أفريل 1959 تعرضت قرية الداموس التي تحولت في ما بعد الى منزل النور الى فيضانات أتت على الاخضر واليابس وانهارت جل مساكنها. وتم نقل البلدة من مكانها المنخفض الى مكان مرتفع لا يفصل بينهما إلا طريق تربط بين جمال والمنستير. ويومها لم يفكر المسؤولون إلا في حاضرهم. فلم ينتزعوا سوى قطعة أرض لبناء ما برمج من مساكن وعددها 480 مسكنا ولم يفكروا في مستقبل الاجيال. والى جانب الاسباب التاريخية هناك أسباب طبيعية، فجهتها الجنوبية وهي المسلك الاقوم للتوسع والانفراج كلها هضاب وشعاب ومن المستحيل التفكير في استغلالها وجهتها الشمالية أراض فلاحية وزراعات سقوية، فضاقت الارض والتهبت الاسعار. أسباب قانونية عامل ثالث تجسمه الاسباب القانونية التي جعلت ثمن المتر المربع الواحد لا يقل عن المائة دينار. وقد وصل المتر المربع في هذه المدينة الصغيرة الى ألف وألفي دينار. وتتمثل العوامل القانونية في الصبغة الفلاحية لبقية الاراضي التي بإمكان المدينة أن تتخذ منها متنفسا. وكانت تصطدم باعتراض وزارة الفلاحة التي ترفع لائحة الرفض: قف أرض فلاحية! قف منطقة سقوية. الخوف الأكبر منذ أكثر من 3 سنوات تفضل سيادة الرئيس زين العابدين بن علي بقرار إحداث معهد ثانوي بقيمة مليارين اثنين من مليماتنا. وزار السيد خليفة الجبنياني والي المنستيرالمدينة وزف البشرى الى أهاليها فكانت الفرحة الكبرى. وإحقاقا للحق بذل والي الجهة كل ما في وسعه من أجل تنفيذ الاجراءات لكنه اصطدم بواقع المدينة من حيث ندرة الاراضي الصالحة للبناء وارتفاع أسعارها وطبيعة الاراضي التي يمكن استغلالها لكن الجوانب القانونية جعلت وزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية ترفض كل المقترحات مما جعل هذا الانجاز التاريخي مهددا بالضياع. المقترح الأول المقترح الاول تمثل في تخصيص ألف متر مربع من منبت على ملك وزارة الفلاحة لا يبعد عن آخر مسكن من مساكن مناطق الساحل التي بنيت في أوائل الستينات سوى 150 مترا ويوجد اليوم وسط منازل تابعة لأهالي المدينة. وهذا المنبت تكون من مجموعة انتزاعات حسب ما جاء بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 29 الصادر بتاريخ 27 أفريل 1979 بالصفحة 1205 المتضمن للامر عدد 317 لسنة 1979 المؤرخ في 2 أفريل 1979 المتعلق بالانتزاع من أجل المصلحة العامة لقطع أرض لازمة للقناة الرئيسية لجلب مياه نبهانة لولاية المنستير. ومدت القنوات وبقيت مساحة تبلغ اكثر من 4 هكتارات تم تحويلها الى منبت استغل لأكثر من عشرين سنة قبل ان تقع نقلته الى ضواحي مدينة بنبلة.وبما أن الامر الصادر أكد على أن مكان الانتزاع هو منزل النور فقد اقترح مسؤولو هذه المدينة تمكينهم من هكتارلانجاز المشروع الرئاسي. فقيل لهم: المنبت أصبح يتبع اداريا بلدية بنبلة بعد الامر الصادر في سبتمبر 1984 والقاضي باحداث معتمدية بنبلة. فقالوا ليس المهم لمن يتبع الانجاز والمهم هو الانجاز وتقريب الخدمات إذ لا يبعد المنبت عن مدينة منزل النور سوى عشرات الأمتار ولنسمه معهد 7 نوفمبر ببنبلة، لكن رغم المراسلات في الغرض لم يتم الانجاز. المقترح الثاني وأمام رفض وزارة الفلاحة تنفيذ المقترح وابقاء 4 هكتارات بلا استغلال تم تقديم مقترح ثان يتمثل في وجود أرض لا تبعد سوى 200م عن المدرسة الاعدادية وعشرات المساكن بثمن يتماشى وامكانيات البلدية. ورغم المساعي المبذولة من السلط الجهوية والمحلية رفعت وزارة الفلاحة الفيتو مجددا وقالت انها منطقة سقوية والحال أن هذه الارض لا حرث فيها ولا زرع ولا ماء. طال الانتظار نسأل وزارة الفلاحة وهي محقة في تمسكها بالقانون ونقول لها: ما الحل وقد ضاقت السبل بهذه المدينة على متساكنيها، فهل المشاتل والباكورات أفضل للناس من نعمة العلم، وأية مناطق تتحدثين عنها حين لا يجد المرء مسكنا يؤويه. لابد من شيء من المرونة، نعم للقانون، ولكن القانون لم يكن يوما متحجرا والقانون أولا وقبل كل شيء في خدمة المجتمع. استغاثة أبناء منزل النور الذين يجدون كلما تحركوا للانجاز وزارة الفلاحة وراءهم ووزارة الفلاحة أمامهم ووزارة الفلاحة حذوهم يوجهون نداء الى مسؤولي هذه الوزارة لحل مشاكلهم وأولها تمكينهم من قطعة أرض لانجاز مشروع سيادة الرئيس زين العابدين بن علي.