لا بد أن أقول منذ البدء إني تصفحت هذا الكتاب الذي يتضمن مائتين وأربع وستين صفحة بصفة سريعة وألقيت نظرة عابرة على التمهيد الذي كتبه المؤلف فأعجبت بالمنهج المتبع في كتابته وبمضمونه قبل أن أقرأه برمته. ومصدر اعجابي يتمثل في أن التأليف تراءى لي أنه خرج عن المألوف في الكتابة عن الأشخاص لأن مؤلفه لم يتناول فيه الا ثلاثة كتاب فقط ولكنه استرسل في الحديث عنهم بطريقة لم نعرفها من قبل مثل من كتبوا في مثل هذا المجال. كيف ذلك؟ ان الذين يكتبون في مثل هذه المواضيع عادة ما يقتصرون على ترجمة حياة الشخص المدروس ويوردون عينات ونماذج مما كتب دون الغوص في فكرة وهم يفعلون ذلك يكتفون في غالب الأحيان بالوثائق المتاحة عمن يدرسون. ولكن خصوصية كتاب عزالدين المدني هذا تكمن في أنه كتب دراسته عن الأدباء الذين تعرض لهم انطلاقا من معاشرته لهم وهذا في حد ذاته عنصر مهم لأن المعاشرة الأدبية مكنت الدارس من أن يقدم اضافات في دراسته هذه ليست ممكنة بالنسبة لمن يعتمد على المراجع الوثائقية فقط. تناول الكتاب الأديب الشاذلي القليبي وكيف عرفه المؤلف وتابع دروسه ثم تحدث عن محاضراته وعمن كان يتابعها وعن ظروف استكشاف ارخبيل الكتابة لديه، ووصفه بالكاتب المقل. وتعرّض اليه ناقدا ومفكّرا ثم بيّن فيما بعد جنس كتاباته الذي قال إنها تنحصر في «فن المقال» وأورد نماذج من نصوصه الأدبية. أما الأديب الثاني الذي أراد عزالدين المدني ان يقدمه لنا فهو محمد فريد غازي الذي نعته بمثقّف الاستقلال، فتحدّث عن أعماله الإبداعية وبالأكاديمية وعن مجمل اسهاماته في الحياة الفكرية في تونس ثم أورد لمحة عن حياته وقائمة في آماله ونماذج من كتاباته الشعرية والنثرية. والأديب الثالث الذي تضمنته الدراسة فهو الطاهر قيقة الذي وصفه بالمفكر المبدع وأسهب في تقديم تجربته الأدبية وأورد بعد ذلك نماذج من المقدمات التي كتبها الطاهر ية لنصوص المدني المسرحية وتحدث المؤلف في مرحلة ثالثة عن محاورات مع الأديب الراحل سواء كان ذلك في حياته أو بعد موته ثم خلص الى إدراج نماذج من مجمل أفكاره في الثقافة والتعلم والإبتكار العلمي والخلق الفني. هكذا تصفحت هذا الكتاب بسرعة لأقدم أهم محاوره. أما الذي يرغب في الاستزادة منه والتعمق فيه فله أن يقبل على قراءته لأن مؤلفه بتطرقه الى دراسة هؤلاء الكتاب تطرق الى قضايا أدبية وفكرية شغلت بال الناس ومازالت. عز الدين المدني أكتوبر 2003